( والسماء ذات الحبك ، إنكم لفي قول مختلف ، يؤفك عنه من أفك ) . .
يقسم بالسماء المنسقة المحكمة التركيب . كتنسيق الزرد المتشابك المتداخل الحلقات . . وقد تكون هذه إحدى هيئات السحب في السماء حين تكون موشاة كالزرد مجعدة تجعد الماء والرمل إذا ضربته الريح . وقد يكون هذا وضعا دائما لتركيب الأفلاك ومداراتها المتشابكة المتناسقة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{و} أقسم ب {والسماء ذات الحبك} يعني مثل الطرائق التي تكون في الرمل من الريح...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: والسماء ذات الخَلْق الحسن. وعنى بقوله:"ذَاتِ الحُبُكِ": ذات الطرائق، وتكسير كل شيء: حُبُكُه، وهو جمع حِباك وحَبيكة، يقال لتكسير الشعرة الجعدة: حُبك، وللرملة إذا مرّت بها الريح الساكنة، والماء القائم، والدرع من الحديد لها حُبُك...
عن سعيد بن جُبَير "والسّماءِ ذَاتِ الحُبُكِ "قال: حبكها: حسنها واستواؤها...
عن الحسن، قوله: "والسّماءِ ذَاتِ الحُبُكِ" قال: حبكت بالخلق الحسن، حبكت بالنجوم...
عن مجاهد، قوله: "والسّماءِ ذَاتِ الحُبُكِ" قال: المتقن البنيان.
قال ابن زيد، في قوله: "ذَاتِ الْحُبُكِ" قال: الشدة؛ حُبِكَت: شُدّت. وقرأ قول الله تبارك وتعالى: "وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعا شِدَادا"...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
"والسماء ذات الحبك" فالحبك الطرائق التي تجري على الشيء كالطرائق التي ترى في السماء. وترى في الماء الصافي إذا مرت عليه الريح، وهو تكسر جار فيه... "والسماء ذات الحبك" أي ذات حسن الطرائق...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{الحبك} الطرائق، مثل حبك الرمل والماء: إذا ضربته الريح، وكذلك حبك الشعر: آثار تثنيه وتكسره...
والدرع محبوكة: لأنّ حلقها مطرق طرائق. ويقال: إنّ خلقه السماء كذلك.
وعن الحسن: حبكها نجومها. والمعنى: أنها تزينها كما تزين الموشى طرائق الوشي. وقيل: حبكها صفاتها وإحكامها، من قولهم: فرس محبوك المعاقم؛ أي محكمها. وإذا أجاد الحائك الحياكة قالوا: ما أحسن حبكه.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{والسماء ذات الحبك} أي الآيات المحتبكة بطرائق النجوم المحكمة، الحسنة الصنعة، الجيدة الرصف والزينة، حتى كأنها منسوجة، الجميلة الصنعة الجليلة الآثار، الجامعة بين القطع والاختلاط، والاتفاق والاختلاف...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
يقسم بالسماء المنسقة المحكمة التركيب. كتنسيق الزرد المتشابك المتداخل الحلقات.. وقد تكون هذه إحدى هيئات السحب في السماء حين تكون موشاة كالزرد مجعدة تجعد الماء والرمل إذا ضربته الريح...
قوله تعالى : " والسماء ذات الحبك " قيل : المراد بالسماء ها هنا السحب التي تظل الأرض . وقيل : السماء المرفوعة . ابن عمر : هي السماء السابعة ، ذكره المهدوي والثعلبي والماوردي وغيرهم . وفي " الحبك " أقوال سبعة : الأول : قال ابن عباس وقتادة ومجاهد والربيع : ذات الخلق الحسن المستوي . وقاله عكرمة ، قال : ألم تر إلى النساج إذا نسج الثوب فأجاد نسجه ، يقال منه حَبَك الثوب يحبِكُه بالكسر حَبْكا أي أجاد نسجه . قال ابن الأعرابي : كل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد احتبكته . والثاني : ذات الزينة ، قاله الحسن وسعيد بن جبير ، وعن الحسن أيضا : ذات النجوم وهو الثالث . الرابع : قال الضحاك : ذات الطرائق ، يقال لما تراه في الماء والرمل إذا أصابته الريح حبك . ونحوه قول الفراء ، قال : الحبك تكسر كل شيء كالرمل إذا مرت به الريح الساكنة ، والماء القائم إذا مرت به الريح ، ودرع الحديد لها حبك ، والشعرة الجعدة تكسرها حبك . وفي حديث الدجال : أن شعره حبك . قال زهير :
مُكَلَّلٌ بأصولِ النَّجْمِ تَنسِجُه *** رِيحٌ خَرِيقٌ لِضَاحِي مائه حُبُكُ{[14202]}
ولكنها تبعد من العباد فلا يرونها . الخامس - ذات الشدة ، قاله ابن زيد ، وقرأ " وبنينا فوقكم سبعا شدادا{[14203]} " [ النبأ :12 ] . والمحبوك الشديد الخلق من الفرس وغيره ، قال امرؤ القيس :
قد غدا يحملني في أنفه *** لاَحِقُ الإِطْلَيْن{[14204]} مَحْبُوكٌ مُمَر
مَرِجَ الدين فأعددتُ له *** مُشْرِفَ الحارك مَحْبُوك الكَتَد{[14205]}
وفي الحديث : أن عائشة رضي الله عنها كانت تحتبك تحت الدرع في الصلاة ، أي تشد الإزار وتحكمه . السادس : ذات الصفاقة ، قاله خصيف ، ومنه ثوب صفيق ووجه صفيق بين الصفاقة . السابع : أن المراد بالطرق المجرة التي في السماء ، سميت بذلك لأنها كأثر المجر . و " الحبك " جمع حباك ، قال الراجز :
كأنما جَلَّلَها الحُوَّاك *** طنفسة في وَشيها حِباك
والحباك والحبيكة الطريقة في الرمل ونحوه . وجمع الحباك حبك وجمع الحبيكة حبائك ، والحَبَكة مثل العَبَكة وهي الحبة من السويق ، عن الجوهري . وروي عن الحسن في قوله : " ذات الحُبُك " " الحُبْك " و " الحِبِك " و " الحِبْكِ " والحِبَك والحِبُك وقرأ أيضا " الحُبُك " كالجماعة . وروي عن عكرمة وأبي مجلز " الحُبك " . و " الحُبُك " واحدتها حبيكة ، " والحُبْك " مخفف منه . و " الحِبَك " واحدتها حِبْكة . ومن قرأ " الحُبَك " فالواحدة حُبْكة كبُرْقة وبُرَق أوحُبْكَة كظلمة وظلم . ومن قرأ " الحِبِك " فهو كإبل وإطل{[14206]} و " الحِبْك " مخففة منه . ومن قرأ " الحِبُك " فهو شاذ إذ ليس في كلام العرب فِعُل ، وهو محمول على تداخل اللغات ، كأنه كسر الحاء ليكسر الباء ثم تصور " الحبك " فضم الباء . وقال جميعه المهدوي .
ولما أخبر سبحانه عن ثبات خبره{[61318]} ، أتبعه الإخبار عن وهي كلامهم ، فقال مقسماً عليه لمبالغتهم في تأكيد مضامينه مع التناقض بفعله{[61319]} الجميل وصنعه الجليل ، إشارة إلى أنهم لم-{[61320]} يتخلقوا من أخلاقه الحسنى بقول ولا فعل : { والسماء ذات الحبك * } أي الآيات المحتبكة بطرائق النجوم المحكمة ، الحسنة الصنعة ، الجيدة الرصف والزينة ، حتى كأنها منسوجة ، الجميلة الصنعة الجليلة الآثار ، الجامعة بين القطع والاختلاط والاتفاق والاختلاف{[61321]} ، وأصل الحبك الإحكام في امتداد واطراد - قاله الرازي في اللوامع .
قوله : { والسماء ذات الحبك } وذلك قسم آخر . إذ يقسم الله بجزء من خلقه وهي السماء { ذات الحبك } أي ذات الطرائق كالذي يصيب الماء والرمل إذا أصابته الريح . والحبك ، جمع ومفرده حباك وحبيكة وهي الطريقة في الرمل ونحوه . وقيل : الحبك ، تكسر كل شيء كالرمل إذا مرت به الريح . وقيل : كل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد احتبكته . وقد روي أن عائشة ( رضي الله عنها ) كانت تحتبك تحت الدرع في الصلاة . أي تشد الإزار وتحكمه{[4326]} .
ويمكن الخلوص إلى القول في المراد بالسماء ذات الحبك ، أنها السماء المرفوعة ذات البناء المتين والمنظر الحسن والخلق المستوي ، الذي لا عوج فيه ولا نفور ولا تفاوت . قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ) في تأويل { والسماء ذات الحبك } : ذات الجمال والبهاء والحسن والاستواء .