في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالُواْ مَآ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا وَمَآ أَنزَلَ ٱلرَّحۡمَٰنُ مِن شَيۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا تَكۡذِبُونَ} (15)

هنا اعترض أهل القرية عليهم بالاعتراضات المكرورة في تاريخ الرسل والرسالات . .

( قالوا : ما أنتم إلا بشر مثلنا ) . . ( وما أنزل الرحمن من شيء ) . . ( إن أنتم إلا تكذبون ) . .

وهذا الاعتراض المتكرر على بشرية الرسل تبدو فيه سذاجة التصور والإدراك ، كما يبدو فيه الجهل بوظيفة الرسول . قد كانوا يتوقعون دائماً أن يكون هناك سر غامض في شخصية الرسول وحياته تكمن وراءه الأوهام والأساطير . . أليس رسول السماء إلى الأرض فكيف لا تحيط به الأوهام والأساطير ? كيف يكون شخصية مكشوفة بسيطة لا أسرار فيها ولا ألغاز حولها ? ! شخصية بشرية عادية من الشخصيات التي تمتلىء بها الأسواق والبيوت ? !

وهذه هي سذاجة التصور والتفكير . فالأسرار والألغاز ليست صفة ملازمة للنبوة والرسالة . وليست في هذه الصورة الساذجة الطفولية . وإن هنالك لسراً هائلاً ضخماً ، ولكنه يتمثل في الحقيقة البسيطة الواقعة . حقيقة إيداع إنسان من هؤلاء البشر الاستعداد اللدني الذي يتلقى به وحي السماء ، حين يختاره الله لتلقي هذا الوحي العجيب . وهو أعجب من أن يكون الرسول ملكاً كما كانوا يقترحون !

والرسالة منهج إلهي تعيشه البشرية . وحياة الرسول هي النموذج الواقعي للحياة وفق ذلك المنهج الإلهي . النموذج الذي يدعو قومه إلى الاقتداء به . وهم بشر . فلا بد أن يكون رسولهم من البشر ليحقق نموذجاً من الحياة يملكون هم أن يقلدوه .

ومن ثم كانت حياة الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] معروضة لأنظار أمته . وسجل القرآن - كتاب الله الثابت - المعالم الرئيسية في هذه الحياة بأصغر تفصيلاتها وأحداثها ، بوصفها تلك الصفحة المعروضة لأنظار أمته على مدار السنين والقرون . ومن هذه التفصيلات حياته المنزلية والشخصية . حتى خطرات قلبه سجلها القرآن في بعض الأحيان ، لتطلع عليها الأجيال وترى فيها قلب ذلك النبي الإنسان .

ولكن هذه الحقيقة الواضحة القريبة هي التي ظلت موضع الاعتراض من بني الإنسان !

ولقد قال أهل تلك القرية لرسلهم الثلاثة : ( ما أنتم إلا بشر مثلنا ) . . وقصدوا أنكم لستم برسل . . ( وما أنزل الرحمن من شيء ) . . مما تدعون أنه نزله عليكم من الوحي والأمر بأن تدعونا إليه . ( إن أنتم إلا تكذبون ) . . وتدعون أنكم مرسلون !

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{قَالُواْ مَآ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا وَمَآ أَنزَلَ ٱلرَّحۡمَٰنُ مِن شَيۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا تَكۡذِبُونَ} (15)

فقالوا جميعا : " إنا إليكم مرسلون ، قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا " تأكلون الطعام وتمشون في الأسواق " وما أنزل الرحمن من شيء " يأمر به ولا من شيء{[13201]} ينهى عنه " إن أنتم إلا تكذبون " في دعواكم الرسالة .


[13201]:زيادة يقتضيها السياق.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{قَالُواْ مَآ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا وَمَآ أَنزَلَ ٱلرَّحۡمَٰنُ مِن شَيۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا تَكۡذِبُونَ} (15)

قوله تعالى : { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ( 13 ) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ ( 14 ) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ( 15 ) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ( 16 ) وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ ( 17 ) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 18 ) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ } .

{ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً } أي مثل لهم . وذلك من قولهم : عندي من هذا الضرب كذا . أي من هذا المثال . وهذه الأشياء على ضرب واحد ، أي على مثال واحد .

والمعنى : ومَثِّلْ لهؤلاء المشركين يا محمد مثلا مثل أصحاب القرية . و { أَصْحَابَ } ، منصوب على البدل من قوله : { مثلاً } أو منصوب على أنه مفعول ثان للفعل اضرب{[3889]} والمراد بالقرية : أنطاكية ؛ فقد كان فيها ملك ظالم مشرك ؛ إذ كان يعبد الأصنام فبعث الله إليه ثلاثة من الرسل فكذبهم هو وقومه المشركون . ومن هؤلاء الرسل اثنان أرسلهما الله إلى أهل أنطاكية فكذبوهما { فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } أي قوّيناهما وشددنا أزرهما برسول ثالث أرسلناه إليهم { فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ } قال المرسلون لأهل أنطاكية : أرسلنا الله إليكم لهدايتكم ، ولإبلاغكم دعوة ربكم ، دعوة الحق والتوحيد . لكن المشركين بادروهم بالجحود والتكذيب ؛ إذ { قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا } كيف نؤمن لكم وأنتم بشر كالبشر ، ليس لكم مزية علينا تقتضي اختصاصكم بما تزعمونه من النبوة { وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ } لم ينزل الله من وحي على أحد من الناس . ويفهم من ذلك إقرارهم بالألوهية ، وإن كانوا ينكرون الرسالة ويكذبون النبيين ويعبدون الأصنام لتقربهم إلى الله زلفى { إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ } أي ما أنتم إلا كَذَبَة فيما تدعونه وتزعمونه من النبوة .


[3889]:البيان لابن الأنباري ج 2 ص 292