في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِذۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱثۡنَيۡنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزۡنَا بِثَالِثٖ فَقَالُوٓاْ إِنَّآ إِلَيۡكُم مُّرۡسَلُونَ} (14)

فهي قرية أرسل الله إليها رسولين . كما أرسل موسى وأخاه هارون - عليهما السلام - إلى فرعون وملئه . فكذبهما أهل تلك القرية ، فعززهما الله برسول ثالث يؤكد أنه وأنهما رسل من عند الله . وتقدموا ثلاثتهم بدعواهم ودعوتهم من جديد ( فقالوا : إنا إليكم مرسلون ) . .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{إِذۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱثۡنَيۡنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزۡنَا بِثَالِثٖ فَقَالُوٓاْ إِنَّآ إِلَيۡكُم مُّرۡسَلُونَ} (14)

" إذ أرسلنا إليهم اثنين " أضاف الرب ذلك إلى نفسه ؛ لأن عيسى أرسلهما بأمر الرب ، وكان ذلك حين رفع عيسى إلى السماء . " فكذبوهما " قيل ضربوهما وسجنوهما . " فعززنا بثالث " أي فقوينا وشددنا الرسالة " بثالث " . وقرأ أبو بكر عن عاصم : " فعززنا بثالث " بالتخفيف وشدد الباقون . قال الجوهري : وقوله تعالى : " فعززنا بثالث " يخفف ويشدد ، أي قوينا وشددنا . قال الأصمعي : أنشدني فيه أبو عمرو بن العلاء للمتلمس :

أُجُدٌ إذا رَحَلَت{[13200]} تَعَزَّزَ لحمُها *** وإذا تُشَدُّ بِنِسْعِهَا لا تَنْبِسُ

أي لا ترغو ، فعلى هذا تكون القراءتان بمعنىً . وقيل : التخفيف بمعنى غلبنا وقهرنا . ومنه : " وعزني في الخطاب " [ ص : 23 ] . والتشديد بمعنى قوينا وكثرنا . وفي القصة : أن عيسى أرسل إليهم رسولين فلقيا شيخا يرعى غنيمات له وهو حبيب النجار صاحب " يس " فدعوه إلى الله وقالا : نحن رسولا عيسى ندعوك إلى عبادة الله . فطالبهما بالمعجزة فقالا : نحن نشفي المرضى وكان له ابن مجنون . وقيل : مريض على الفراش فمسحاه ، فقام بإذن الله صحيحا ، فآمن الرجل بالله . وقيل : هو الذي جاء من أقصى المدينة يسعى ، ففشا أمرهما ، وشفيا كثيرا من المرضى ، فأرسل الملك إليهما - وكان يعبد الأصنام - يستخبرهما فقالا : نحن رسولا عيسى . فقال : وما آيتكما ؟ قالا : نبرئ الأكمه والأبرص ونبرئ المريض بإذن الله ، وندعوك إلى عبادة الله وحده . فهم الملك بضربهما . وقال وهب : حبسهما الملك وجلدهما مائة جلدة ، فانتهى الخبر إلى عيسى فأرسل ثالثا . قيل : شمعون الصفا رأس الحواريين لنصرهما ، فعاشر حاشية الملك حتى تمكن منهم ، واستأنسوا به ، ورفعوا حديثه إلى الملك فأنس به ، وأظهر موافقته في دينه ، فرضي الملك طريقته ، ثم قال يوما للملك : بلغني أنك حبست رجلين دعواك إلى الله ، فلو سألت عنهما ما وراءهما . فقال : إن الغضب حال بيني وبين سؤالهما . قال : فلو أحضرتهما . فأمر بذلك ، فقال لهما شمعون : ما برهانكما على ما تدعيان ؟ فقالا : نبرئ الأكمه والأبرص . فجيء بغلام ممسوح العينين ، موضع عينيه كالجبهة ، فدعوا ربهما فانشق موضع البصر ، فأخذا بندقتين طينا فوضعاهما في خديه ، فصارتا مقلتين يبصر بهما ، فعجب الملك وقال : إن ها هنا غلاما مات منذ سبعة أيام ولم أدفنه حتى يجيء أبوه فهل يحييه ربكما ؟ فدعوا الله علانية ، ودعاه شمعون سرا ، فقام الميت حيا ، فقال للناس : إني مت منذ سبعة أيام ، فوجدت مشركا ، فأدخلت في سبعة أودية من النار ، فأحذركم ما أنتم فيه فآمنوا بالله ، ثم فتحت أبواب السماء ، فرأيت شابا حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة شمعون وصاحبيه ، حتى أحياني الله ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن عيسى روح الله وكلمته ، وأن هؤلاء هم رسل الله . فقالوا له وهذا شمعون أيضا معهم ؟ قال : نعم وهو أفضلهم . فأعلمهم شمعون أنه رسول المسيح إليهم ، فأثر قوله في الملك ، فدعاه إلى الله ، فآمن الملك في قوم كثير وكفر آخرون .

وحكى القشيري أن الملك آمن ولم يؤمن قومه ، وصاح جبريل صيحة مات كل من بقي منهم من الكفار . وروي أن عيسى لما أمرهم أن يذهبوا إلى تلك القرية قالوا : يا نبي الله إنا لا نعرف أن نتكلم بألسنتهم ولغاتهم . فدعا الله لهم فناموا بمكانهم ، فهبوا من نومتهم قد حملتهم الملائكة فألقتهم بأرض أنطاكية ، فكلم كل واحد صاحبه بلغة القوم ، فذلك قوله : " وأيدناه بروح القدس " [ البقرة : 87 ]


[13200]:وفي اللسان: أجد إذا ضمرت. ويروى في غيره: عنس إذا ضمرت.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{إِذۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱثۡنَيۡنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزۡنَا بِثَالِثٖ فَقَالُوٓاْ إِنَّآ إِلَيۡكُم مُّرۡسَلُونَ} (14)

قوله تعالى : { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ( 13 ) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ ( 14 ) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ( 15 ) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ( 16 ) وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ ( 17 ) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 18 ) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ } .

{ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً } أي مثل لهم . وذلك من قولهم : عندي من هذا الضرب كذا . أي من هذا المثال . وهذه الأشياء على ضرب واحد ، أي على مثال واحد .

والمعنى : ومَثِّلْ لهؤلاء المشركين يا محمد مثلا مثل أصحاب القرية . و { أَصْحَابَ } ، منصوب على البدل من قوله : { مثلاً } أو منصوب على أنه مفعول ثان للفعل اضرب{[3889]} والمراد بالقرية : أنطاكية ؛ فقد كان فيها ملك ظالم مشرك ؛ إذ كان يعبد الأصنام فبعث الله إليه ثلاثة من الرسل فكذبهم هو وقومه المشركون . ومن هؤلاء الرسل اثنان أرسلهما الله إلى أهل أنطاكية فكذبوهما { فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } أي قوّيناهما وشددنا أزرهما برسول ثالث أرسلناه إليهم { فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ } قال المرسلون لأهل أنطاكية : أرسلنا الله إليكم لهدايتكم ، ولإبلاغكم دعوة ربكم ، دعوة الحق والتوحيد . لكن المشركين بادروهم بالجحود والتكذيب ؛ إذ { قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا } كيف نؤمن لكم وأنتم بشر كالبشر ، ليس لكم مزية علينا تقتضي اختصاصكم بما تزعمونه من النبوة { وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ } لم ينزل الله من وحي على أحد من الناس . ويفهم من ذلك إقرارهم بالألوهية ، وإن كانوا ينكرون الرسالة ويكذبون النبيين ويعبدون الأصنام لتقربهم إلى الله زلفى { إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ } أي ما أنتم إلا كَذَبَة فيما تدعونه وتزعمونه من النبوة .


[3889]:البيان لابن الأنباري ج 2 ص 292