في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بَعۡدَ إِذۡ أُنزِلَتۡ إِلَيۡكَۖ وَٱدۡعُ إِلَىٰ رَبِّكَۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (87)

( ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك ) . . فطريق الكفار دائما أن يصدوا أصحاب الدعوة عن دعوتهم بشتى الطرق والوسائل . وطريق المؤمنين أن يمضوا في طريقهم لا يلويهم عنها المعوقون ، ولا يصدهم عنها أعداؤهم . وبين أيديهم آيات الله ، وهم عليها مؤتمنون .

( وادع إلى ربك ) . . دعوة خالصة واضحة لا لبس فيها ولا غموض . دعوة إلى الله لا لقومية ولا لعصبية ، ولا لأرض ولا لراية . ولا لمصلحة ولا لمغنم ، ولا لتمليق هوى ، ولا لتحقيق شهوة . ومن شاء أن يتبع هذه الدعوة على تجردها فليتبعها ، ومن أراد غيرها معها فليس هذا هو الطريق .

( ولا تكونن من المشركين .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بَعۡدَ إِذۡ أُنزِلَتۡ إِلَيۡكَۖ وَٱدۡعُ إِلَىٰ رَبِّكَۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (87)

قوله تعالى : " ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك " يعني أقوالهم وكذبهم وأذاهم ، ولا تلتفت نحوهم وامض لأمرك وشأنك وقرأ يعقوب : " يصدنك " مجزوم النون وقرئ : " يصدك " من أصده بمعنى صدره وهى لغة في كلب قال الشاعر{[12390]} :

أناسٌ أصَدُّوا الناس بالسيف عنهم *** صُدُودَ السَّواقي عن أنوف الحَوَائِمِ{[12391]} " وادع إلى ربك " أي إلى التوحيد ، وهذا يتضمن المهادنة والموادعة ، وهذا كله منسوخ بآية السيف ، وسبب هذه الآية ما كانت قريش تدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تعظيم أوثانهم ، وعند ذلك ألقى الشيطان في أمنيته أم الغرانيق على ما تقدم{[12392]} والله أعلم .


[12390]:هو ذو الرمة.
[12391]:ويروى: بالضرب...من أنوف المخارم.
[12392]:راجع ج 12 ص 79 وما بعدها طبعة أولى أو ثانية.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بَعۡدَ إِذۡ أُنزِلَتۡ إِلَيۡكَۖ وَٱدۡعُ إِلَىٰ رَبِّكَۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (87)

ولما كان التواني في النهي عن المنكر إعراضاً عن الأوامر وإن كان المتواني مجتهداً في العمل ، قال مؤكداً تنبيهاً على شدة الأمر لكثرة الأعداء وتتابع الإيذاء والاعتداء : { ولا يصدنك } أي الكفار بمبالغتهم في الإعراض وقولهم { لولا أوتي مثل ما أوتي موسى } ونحوه { عن آيات الله } أي عن الصدع بها وهي من المتصف بصفات الكمال ، في الأوقات الكائنة { بعد إذ أنزلت } أي وقع إنزالها ممن تعلمه منتهياً { إليك } مما ترى من أوامرها ونواهيها ، ولقد بين هذا المعنى قوله : { وادع } أي أوجد الدعاء للناس { إلى ربك } أي المحسن إليك لإحسانه إليك ، وإقباله دون الخلق عليك ، وأعراه من التأكيد اكتفاء بالمستطاع فإن الفعل ليس للمبالغة فيه جداً ، إشارة إلى أن جلب المصالح أيسر خطباً من درء المفاسد ، فإن المطلوب فيه النهاية محدود بالاجتناب .

ولما كان الساكت عن فاعل المنكر شريكاً له ، قال مؤكداً تنبيهاً على الاهتمام بدرء المفاسد ، وأنه لا بد فيه من بلوغ الغاية : { ولا تكونن من المشركين* } أي معدوداً في عدادهم بترك نهيهم عن شركهم وما يتسبب عنه ساعة واحدة .