اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بَعۡدَ إِذۡ أُنزِلَتۡ إِلَيۡكَۖ وَٱدۡعُ إِلَىٰ رَبِّكَۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (87)

قوله : { وَلاَ يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ الله } قرأ العامة بفتح الياء وضم الصاد ، من : صدَّه يصُدُّه ، وقرئ بضم الياء وكسر الصاد ، من : أصده بمعنى صَدَّه ، حكاها أبو زيد عن كلب{[40963]} . قال الشاعر :

4023 - أُنَاسٌ أَصَدُّوا النَّاسَ بِالسَّيْفِ عَنْهُم *** صُدُودَ السَّوَاقِي عَنْ أُنُوف الحَوَائِمِ{[40964]}

وأصل «يَصُدُّنكَ » «يَصُدُّونَنَّكَ » ، ففعل فيه ما فعل في { لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ }{[40965]} [ هود : 8 ] ، والمعنى لا تلتفت إلى هؤلاء ولا تركن إلى قولهم فيصدوك عن اتباع آيات الله{[40966]} يعني القرآن . { بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ{[40967]} إِلَيْكَ ، وادع إلى رَبِّكَ } أي : إلى دين ربك وإلى معرفته وتوحيده { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين } قال ابن عباس : الخطاب في الظاهر للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به : أهل دينه{[40968]} ، أي : لا تظاهروا الكفار ولا توافقوهم ومثله : { وَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلها آخَرَ } وهذا وإن كان واجباً على الكلِّ إلا أنه تعالى خاطبه به خصوصاً لأجل ( التعليم{[40963]} ){[40964]} ، فإن قيل : الرسول كان معلوماً منه أنه لا يفعل شيئاً من ذلك ألبتة ، فما فائدة ذلك النهي ؟ فالجواب : أنَّ الخطاب وإن كان معه لكن المراد غيره ، ويجوز أن يكون المعنى : لا تعتمد على غير الله ولا تتخذ غيره وكيلاً في أمورك ، فإن وثق بغير الله فكأنَّه لم يكمل طريقه في التوحيد{[40965]} ، ثم بيَّن أنه لا إله إلاَّ هو أي : لا نافع ولا ضار ولا معطي ولا مانع إلاَّ هو كقوله : { رَبُّ المشرق والمغرب لاَ إله إِلاَّ هُوَ فاتخذه وَكِيلاً } [ المزمل : 9 ] فلا يجوز اتخاذ إلهٍ سواه{[40966]} .


[40963]:لم أعثر على ذلك في النوادر، وفي المختصر: قال ابن خالويه: ("ولا يصدَّنَّك" حكاه أبو زيد عن رجل من كلب، وقال: هي لغة قومه) 114، وانظر البحر المحيط 7/137.
[40964]:البيت من بحر الطويل، قاله ذو الرُّمة، وهو في ديوانه 2/771، الكشاف 3/181، القرطبي 13/322، اللسان (صدد) البحر المحيط 7/137، وروي: صدود السَّواقي عن رؤوس المخارم السواقي: مجاري الماء. المخرم: منقطع أنف الجبل، يقول: صدوا الناس عنهم بالسيف كما صدّت هذه الأنهار عن المخارم، فلم تستطع أن ترتفع إليها. الحوائم: الجمال العطاش، لأنها تحوم حول الماء جمع حائم. والشاهد فيه قوله: (أصدُّوا) فإنه بمعنى صدوا.
[40965]:يعني بذلك أن الفعل هنا وفي سورة "هود" معرب لأن النون مفصولة تقديراً، إذ الأصل: يصدوننَّك، ليقولوننَّ، النون الأولى للرفع وبعدها نون مشددة فاستثقل توالي الأمثال، فحذفت نون الرفع، لأنها لا تدل من المعنى على ما تدل عليه نون التوكيد، فالتقى ساكنان، فحذفت الواو التي هي ضمير الفعل، لالتقائها ساكنة مع النون. انظر اللباب 4/331.
[40966]:انظر الفخر الرازي 25/23.
[40967]:في ب: أنزل. وهو تحريف.
[40968]:انظر البغوي 6/372-373.