فأما الذين استكبروا فيضيقون صدراً بالذين استضعفوا ، ويجيبونهم في ضيق وبرم وملالة . وفي إقرار بعد الاستكبار :
( قال الذين استكبروا : إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد ) . .
( إنا كل فيها ) . . إنا كل ضعاف لا نجد ناصراً ولا معيناً . إنا كل في هذا الكرب والضيق سواء . فما سؤالكم لنا وأنتم ترون الكبراء والضعاف سواء ?
( إن الله قد حكم بين العباد ) . . فلا مجال لمراجعة في الحكم ، ولا مجال لتغيير فيه أو تعديل . وقد قضي الأمر ، وما من أحد من العباد يخفف شيئاً من حكم الله .
" قال الذين استكبروا إنا كل فيها " أي في جهنم . قال الأخفش : " كل " مرفوع بالابتداء . وأجاز الكسائي والفراء " إنا كلا فيها " بالنصب على النعت والتأكيد للمضمر في " إنا " وكذلك قرأ ابن السميقع وعيسى بن عمر والكوفيون يسمون التأكيد نعتا . ومنع ذلك سيبويه ، قال : لأن " كلا " لا تنعت ولا ينعت بها . ولا يجوز البدل فيه لأن المخبر عن نفسه لا يبدل منه غيره ، وقال معناه المبرد قال : لا يجوز أن يبدل من المضمر هنا ؛ لأنه مخاطب ولا يبدل من المخاطَب ولا من المخاطِب ؛ لأنهما لا يشكلان فيبدل منهما ، هذا نص كلامه . " إن الله قد حكم بين العباد " أي لا يؤاخذ أحدا بذنب غيره ، فكل منا كافر .
ولما أتى بكلام الضعفاء مضارعاً على الأصل ، وإشارة مع تصوير الحال لأنه أقطع إلى طول خصامهم لأنه أشد في إيلامهم ، فتشوف السامع إلى جوابهم ، استأنف الخبر عنه بصيغة الماضي تأكيداً لتحقيق وقوعه رداً قد يتوهمه الضعيف من أن المستكبر له قوة المدافعة وإباء الأنفة فقال : { قال الذين استكبروا } أي من شدة ما هم فيه . ولما كان الأتباع قد ظنوا أن المتبوعين يغنون عنهم ، أكدوا إخبارهم لهم بما ينافي ذلك فقالوا : { إنّا كل } أي كلنا كائنون { فيها } أي النار ، كل يناله من العذاب بقدر ما يستحقه سواء إن جادلتمونا أو تركتم جدالنا ولا يظلم بك أحداً ، فلو قدرنا على شيء لأغنينا عن أنفسنا ، ولو سألنا أن نزاد أو ننقص لما أجبنا . فإن هذه دار العدل فاتركونا وما نحن فيه .
ولما كان حكم الله تعالى مانعاً مما كان يفعل في الدنيا من فك المجرم وإيثاق غيره به ، وكان سؤالهم في الإغناء سؤال من يجوز أن يكون حكمه على ما عليه الأحكام من حكام أهل الدنيا ، عللوا جوابهم مؤكدين فقالوا : { إن الله } أي المحيط بأوصاف الكمال { قد حكم بين العباد * } أي بالعدل ، فأدخل أهل الجنة دارهم ، وأهل النار نارهم ، فلا يغني أحد عن أحد شيئاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.