في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَنَّا صَبَبۡنَا ٱلۡمَآءَ صَبّٗا} (25)

إنا صببنا الماء صبا . . وصب الماء في صورة المطر حقيقة يعرفها كل إنسان في كل بيئة ، في أية درجة كان من درجات المعرفة والتجربة . فهي حقيقة يخاطب بها كل إنسان . فأما حين تقدم الإنسان في المعرفة فقد عرف من مدلول هذا النص ما هو أبعد مدى وأقدم عهدا من هذا المطر الذي يتكرر اليوم ويراه كل أحد . وأقرب الفروض الآن لتفسير وجود المحيطات الكبيرة التي يتبخر ماؤها ثم ينزل في صورة مطر ، أقرب الفروض أن هذه المحيطات تكونت أولا في السماء فوقنا ثم صبت على الأرض صبا !

وفي هذا يقول أحد علماء العصر الحاضر : " إذا كان صحيحا أن درجة حرارة الكرة الأرضية وقت انفصالها عن الشمس كانت حوالي 12 . 000 درجة . أو كانت تلك درجة حرارة سطح الأرض . فعندئذ كانت كل العناصر حرة . ولذا لم يكن في الإمكان وجود أي تركيب كيميائي ذي شأن . ولما أخذت الكرة الأرضية ، أو الأجزاء المكونة لها في أن تبرد تدريجيا ، حدثت تركيبات ، وتكونت خلية العالم كما نعرفه . وما كان للأكسيجين والهيدروجين أن يتحدا إلا بعد أن هبطت درجة الحرارة إلى 4000 درجة فارنهايت . وعند هذه النقطة اندفعت معا تلك العناصر ، وكونت الماء الذي نعرفه الآن أنه هواء الكرة الأرضية . ولا بد أنه كان هائلا في ذلك الحين . وجميع المحيطات كانت في السماء . وجميع تلك العناصر التي لم تكن قد اتحدت كانت غازات في الهواء . وبعد أن تكون الماء في الجو الخارجي سقط نحو الأرض . ولكنه لم يستطع الوصول إليها . إذ كانت درجة الحرارة على مقربة من الأرض أعلى مما كانت على مسافة آلاف الأميال . وبالطبع جاء الوقت الذي صار الطوفان يصل فيه إلى الأرض ليطير منها ثانيا في شكل بخار . ولما كانت المحيطات في الهواء فإن الفيضانات التي كانت تحدث مع تقدم التبريد كانت فوق الحسبان . وتمشى الجيشان مع التفتت . . . . . الخ " .

وهذا الفرض - ولو أننا لا نعلق به النص القرآني - يوسع من حدود تصورنا نحن للنص والتاريخ الذي يشير إليه . تاريخ صب الماء صبا . وقد يصح هذا الفرض ، وقد تجد فروض أخرى عن أصل الماء في الأرض . ويبقى النص القرآني صالحا لأن يخاطب به كل الناس في كل بيئة وفي كل جيل .

ذلك كان أول قصة الطعام : ( أنا صببنا الماء صبا ) . . ولا يزعم أحد أنه أنشأ هذا الماء في أي صورة من صوره ، وفي أي تاريخ لحدوثه ؛ ولا أنه صبه على الأرض صبا ، لتسير قصة الطعام في هذا الطريق !

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَنَّا صَبَبۡنَا ٱلۡمَآءَ صَبّٗا} (25)

أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا } أي : أنزلنا المطر على الأرض بكثرة .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{أَنَّا صَبَبۡنَا ٱلۡمَآءَ صَبّٗا} (25)

قوله تعالى : " أنا صببنا الماء صبا " قراءة العامة " إنا " بالكسر ، على الاستئناف ، وقرأ الكوفيون ورويس عن يعقوب " أنا " بفتح الهمزة ، ف " أنا " في موضع خفض على الترجمة عن الطعام ، فهو بدل منه ، كأنه قال : " فلينظر الإنسان إلى طعامه " إلى " أنا صببنا " فلا يحسن الوقف على " طعامه " من هذه القراءة . وكذلك إن رفعت " أنا " بإضمار هو أنا صببنا ؛ لأنها في حال رفعها مترجمة عن الطعام . وقيل : المعنى : لأنا صببنا الماء ، فأخرجنا به الطعام ، أي كذلك كان . وقرأ الحسين{[15808]} بن علي " أنى " فقال ، بمعنى كيف ؟ فمن أخذ بهذه القراءة قال : الوقف على " طعامه " تام . ويقال : معنى " أنى " أين ، إلا أن فيها كناية عن الوجوه ، وتأويلها : من أي وجه صببنا الماء . قال الكميت :

أنَّى ، ومن أينَ آبَكَ{[15809]} الطَرَبُ *** من حيثُ لا صبوةٌ ولا رِيَبُ

" صببنا الماء صبا " : يعني الغيث والأمطار .


[15808]:في ب، ز: قرأ بعض القراء.
[15809]:آبك: أتاك. الريب: صروف الدهر.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَنَّا صَبَبۡنَا ٱلۡمَآءَ صَبّٗا} (25)

ولما كان المقصود النظر إلى صنائع الله تعالى فيه . وكانت أفعال الإنسان وأقواله في تكذيبه بالبعث أفعال من ينكر ذلك الصنع ، قال سبحانه مفصلاً لما يشترك في علمه الخاص والعام من صنائعه في الطعام ، مؤكداً تنبيهاً على أن التكذيب بالبعث يستلزم التكذيب بإبداع النبات وإعادته ، وذلك في أسلوب مبين أن الإنسان محتاج إلى جميع ما في الوجود ، ولو نقص منه شيء اختل أمره ، وبدأ أولاً بالسماوي لأنه أشرف ، وبالماء الذي هو حياة كل شيء ، تنبيهاً له على ابتداء خلقه : { أنّا } أي على ما لنا من العظمة { صببنا الماء } أي الذي جعلنا منه كل شيء حي { صباً * }