قل : إني لن يجيرني من الله أحدا ولن أجد من دونه ملتحدا . إلا بلاغا من الله ورسالاته . . . . .
وهذه هي القولة الرهيبة ، التي تملأ القلب بجدية هذا الأمر . . أمر الرسالة والدعوة . . والرسول [ صلى الله عليه وسلم ] يؤمر بإعلان هذه الحقيقة الكبيرة . . إني لن يجيرني من الله أحد ، ولن أجد من دونه ملجأ أو حماية ، إلا أن أبلغ هذا الأمر ، وأؤدي هذه الأمانة ، فهذا هو الملجأ الوحيد ، وهذه هي الإجارة المأمونة . إن الأمر ليس أمري ، وليس لي فيه شيء إلا التبليغ ، ولا مفر لي من هذا التبليغ . فأنا مطلوب به من الله ولن يجيرني منه أحد ، ولن أجد من دونه ملجأ يعصمني ، إلا أن أبلغ وأؤدي !
يا للرهبة ! ويا للروعة ! ويا للجد !
إنها ليست تطوعا يتقدم به صاحب دعوة . إنما هو التكليف . التكليف الصارم الجازم ، الذي لا مفر من أدائه . فالله من ورائه !
وإنها ليست اللذة الذاتية في حمل الهدى والخير للناس . إنما هو الأمر العلوي الذي لا يمكن التلفت عنه ولا التردد فيه !
وهكذا يتبين أمر الدعوة ويتحدد . . إنها تكليف وواجب . وراءه الهول ، ووراءه الجد ، ووراءه الكبير المتعال !
( ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا . حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا ) .
فهو التهديد الظاهر والملفوف لمن يبلغه هذا الأمر ثم يعصي . بعد التلويح بالجد الصارم في التكليف بذلك البلاغ .
وإذا كان المشركون يركنون إلى قوة وإلى عدد ، ويقيسون قوتهم إلى قوة محمد [ صلى الله عليه وسلم ] والمؤمنين القلائل معه ، فسيعلمون حين يرون ما يوعدون - إما في الدنيا وإما في الآخرة - ( من أضعف ناصرا وأقل عددا ) . . وأي الفريقين هو الضعيف المخذول القليل الهزيل !
ونعود إلى مقالة الجن فنجدهم يقولون : ( وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا )فنجد التعقيب على القصة يتناسق معها . ونجد القصة تمهد للتعقيب فيجيء في أوانه وموعده المطلوب !
{ 22 } { قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ }
أي : لا أحد أستجير به ينقذني من عذاب الله ، وإذا كان الرسول الذي هو أكمل الخلق ، لا يملك ضرا ولا رشدا ، ولا يمنع نفسه من الله [ شيئا ] إن أراده بسوء ، فغيره من الخلق من باب أولى وأحرى .
{ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا } أي : ملجأ ومنتصرا .
قوله تعالى : " قل إني لن يجيرني من الله أحد " أي لا يدفع عذابه عني أحد إن استحفظته ، وهذا لأنهم قالوا اترك ما تدعو إليه ونحن نجيرك . وروى أبو الجوزاء عن ابن مسعود قال : انطلقت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن حتى أتى الحجون فخط علي خطا ، ثم تقدم إليهم فازدحموا عليه ، فقال سيد لهم يقال له وردان : أنا أزجلهم{[15485]} عنك ، فقال : ( إني لن يجيرني من الله أحد ) ذكره الماوردي . قال : ويحتمل معنيين أحدهما لن يجيرني مع إجارة الله لي أحد . الثاني لن يجيرني مما قدره الله تعالى علي أحد . " ولن أجد من دونه ملتحدا " أي ملتجأ ألجأ إليه ؛ قال قتادة . وعنه : نصيرا ومولى . السدي : حرزا . الكلبي : مدخلا في الأرض مثل السرب . وقيل : وليا ولا مولى . وقيل : مذهبا ولا مسلكا . حكاه ابن شجرة ، والمعنى واحد ، ومنه قول الشاعر :
يا لهْفَ نفسي ولَهْفِي غير مُجْدِيةٍ *** عَنِّي وما من قضاء الله مُلْتَحَدِ
ولما أجاب من تشوف{[69233]} إلى علة صبره عن دفعهم{[69234]} عنه بما حاصله أنه لا شيء بيده ، لأن إلهه من العظمة في إحاطة العلم{[69235]} والقدرة وأنه لا يخرج شيء عن مراده فلا يعجل في شيء بحيث لا يفعل إلا ما يريد سواء سئل أو لا ، فكان ذلك ربما أوجب أن يظن منه صلى الله عليه وسلم موافقته لهم لئلا يضروه لأنهم يستعجلون في أذى من خالفهم ، أجاب ما حاصله أنه بين ضررين أحدهما منهم إن خالفهم ، والآخر منه سبحانه وتعالى إن أعرض عنه وهو سبحانه وتعالى يرد أذاهم إن أراد ، وهم لا يقدرون على رد أذاه بوجه فقال : { قل } أي لمن يدعوك إلى موافقتهم ، وأكد لما في ظن كثير من الناس من أن الأسباب لا تتخلف فقال : { إني } وزاد في التأكيد لأن ذلك في غاية الاستقرار في النفوس فقال : { لن يجيرني } أي فيدفع عني ما يدفع الجار عن جاره { من الله } أي الذي له الأمر كله ولا أمر لأحد معه{[69236]} { أحد * } أي كائناً من كان إن أرادني سبحانه بسوء . ولما كان من هو بهذه المثابة ربما{[69237]} هرب منه المطلوب قال مؤكداً : { ولن أجد } أي أصلاً . ولما كانت كل رتبة دون رتبته{[69238]} ، وكانت الرتب التي دون رتبته كثيرة جداً لما له من العلو المطلق ولغيره من{[69239]} مراتب السفول التي لا تحد ، قال مشيراً لذلك بالجارّ : { من دونه } أي الله تعالى { ملتحداً * } أي{[69240]} معدلاً وموضع ميل وركون ومدخلاً وملتجأ وحيلة ، وإن اجتهدت كل الاجتهاد لأن اللحد أصله{[69241]} الميل ولا يقال إلا في ميل من حق إلى باطل ، والحد : جادل ومارى وركن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.