( وإلى ربك فارغب ) . . إلى ربك وحده خاليا من كل شيء حتى من أمر الناس الذين تشتغل بدعوتهم . . إنه لا بد من الزاد للطريق . وهنا الزاد . ولا بد من العدة للجهاد . وهنا العدة . . وهنا ستجد يسرا مع كل عسر ، وفرجا مع كل ضيق . . هذا هو الطريق !
وتنتهي هذه السورة كما انتهت سورة الضحى ، وقد تركت في النفس شعورين ممتزجين : الشعور بعظمة الود الحبيب الجليل الذي ينسم على روح الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] من ربه الودود الرحيم . والشعور بالعطف على شخصه [ صلى الله عليه وسلم ] ونحن نكاد نلمس ما كان يساور قلبه الكريم في هذه الآونة التي اقتضت ذلك الود الجميل .
إنها الدعوة . هذه الأمانة الثقيلة وهذا العبء الذي ينقض الظهر . وهي مع هذا وهذا مشرق النور الإلهي ومهبطه ، ووصلة الفناء بالبقاء ، والعدم بالوجود !
فإذا فرغت : من عبادة أدّيتها .
فانصب : فاجتهد وأتعبها بعبادة أخرى ، أو بعمل آخر .
فارغب : فاجعل رغبتك في جميع شئونك .
7 ، 8- فإذا فرغت فانصب* وإلى ربك فارغب .
إذا فرغت من شئون الدنيا وأمرها فأتبع ذلك بالنّصب والتّعب في شئون الآخرة ، وارغب إلى الله في عبادتك وصلاتك ومناجاتك وتبتّلك ، وقم إلى العبادة نشيطا فارغ البال ، وأخلص لربك النية والرغبة .
وقيل : إذا فرغت من الصلاة المفروضة فانصب في صلاة النافلة ، أو في الدعاء والاستغفار .
وإلى ربك فارغب . اجعل نيتك ورغبتك إلى الله عز وجل .
وقد سار النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الهدي الكريم ، فكان نموذجا يحتذى في عمله ، وقيام الليل ، وتدريب المسلمين وقيادة الجيوش ، وتربية الصحابة والصحابيات ، وقد اقتدى به أصحابه من بعده ، فكانوا خير أمة أخرجت للناس .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إني لأكره لأحدكم أن يكون خاليا ، لا في عمل دنيا ولا دين .
وقال عمر أيضا : إني لأنظر إلى الرجل فيعجبني ، فإذا قيل إنه لا عمل له سقط من عيني .
تم بحمد الله تعالى تفسير سورة ( الشرح ) ، ونسأله سبحانه وتعالى العون والتوفيق والفتوح ، إنه نعم المولى ونعم النصير .
i التفسير الفريد للقرآن المجيد للدكتور محمد عبد المنعم الجمال . ص 3325 .
ii في ظلال القرآن للأستاذ سيد قطب 30/189 .
روى الترمذي في صفة القيامة والرقائق ( 2497 ) وأحمد في مسنده ( 3622 ) من حديث عبد الله بلفظ : إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع . . . الحديث .
iv انظر تفسير المراغي ، وتفسير جزء عم للشيخ محمد عبده ، وتفسير جزء عم للشيخ محيى الدين عبد الحميد ، وقد رجح هذا الرأي د . محمد سيد طنطاوي في تفسيره الوسيط ، وكذلك التفسير الوسيط بإشراف مجمع البحوث الإسلامية ص 1954 .
v تفسير المراغي ، أحمد مصطفى المراغي ، الجزء الثلاثون ص 189 .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ وإلى ربك } بالدعاء { فارغب } إليه في المسألة ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وإلى ربك يا محمد فاجعل رغبتك ، دون من سواه من خلقه ، إذ كان هؤلاء المشركون من قومك قد جعلوا رغبتهم في حاجاتهم إلى الآلهة والأنداد ....
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
ولا تسأل إلا فضله متوكلاً عليه . ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ وإلى ربك } أي المحسن إليك بما ذكر في هاتين السورتين خاصة { فارغب } أي بالسؤال لأنه القادر وحده كما قدر على تربيتك فيما مضى وحده ، لأنه المختص بالعظمة ...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وتنتهي هذه السورة كما انتهت سورة الضحى ، وقد تركت في النفس شعورين ممتزجين : الشعور بعظمة الود الحبيب الجليل الذي ينسم على روح الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] من ربه الودود الرحيم . والشعور بالعطف على شخصه [ صلى الله عليه وسلم ] ونحن نكاد نلمس ما كان يساور قلبه الكريم في هذه الآونة التي اقتضت ذلك الود الجميل . إنها الدعوة . هذه الأمانة الثقيلة وهذا العبء الذي ينقض الظهر . وهي مع هذا وهذا مشرق النور الإلهي ومهبطه ، ووصلة الفناء بالبقاء ، والعدم بالوجود ! ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وأما تعدية فعل { فارغب } هنا بحرف { إلى } فلتضمينه معنى الإِقبال والتوجه تشبيهاً بسير السائر إلى من عنده حاجته، كما قال تعالى عن إبراهيم : { وقال إني ذاهب إلى ربي } [ الصافات : 99 ] . وتقديم إلى { ربك } على { فارغب } لإِفادة الاختصاص ، أي إليه لا إلى غيره تكون رغبتك، فإن صفة الرسالة أعظم صفات الخلق، فلا يليق بصاحبها أن يرغب غير الله تعالى . وحُذف مفعول « ارغب » ليعم كل ما يرغبه النبي صلى الله عليه وسلم، وهل يرغب النبي إلا في الكمال النفساني وانتشار الدين ونصر المسلمين ....
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري 1439 هـ :
من الهداية : - بيان أن حياة المؤمن ليس فيها لهو ولا باطل ولا فراغ لا عمل فيه أبدا ولا ساعة من الدهر قط ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
أي فاعتمد على اللّه في كلّ الأحوال . اطلب رضاه ، واسع لقربه . الآيتان حسب ما ذكرناه لهما مفهوم واسع عام يقضي بالبدء بمهمّة جديدة بعد الفراغ من كلّ مهمّة . وبالتوجه نحو اللّه في كلّ المساعي والجهود ، لكن أغلب المفسّرين ذكروا معاني محددة لهما يمكن أن يكون كلّ واحد منها مصداقاً للآيتين . ...
وقرئ " فرغب " أي فرغب الناس إلى ما عنده .
الثانية- قال ابن العربي : روي عن شريح أنه مر بقوم يلعبون يوم عيد ، فقال : ما بهذا أمر الشارع . وفيه نظر ، فإن الحبش كانوا يلعبون بالدرق والحراب في المسجد يوم العيد ، والنبي صلى اللّه عليه وسلم ينظر . ودخل أبو بكر في بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على عائشة رضي اللّه عنها وعندها جاريتان من جواري الأنصار تغنيان ، فقال أبو بكر : أبمزمور الشيطان في بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؟ فقال : ( دعهما يا أبا بكر ، فإنه يوم عيد ) . وليس يلزم الدؤوب على العمل ، بل هو مكروه للخلق .
{ وإلى ربك } أي المحسن إليك بما ذكر في هاتين السورتين خاصة { فارغب * } أي بالسؤال لأنه القادر وحده كما قدر على تربيتك فيما مضى وحده ، لأنه المختص بالعظمة ، فلا قدرة أصلاً إلا لمن يعطيه ما يريده منها ، والرغب شعار العبد دائماً في كل حال أي افعل ذلك { ألم نشرح لك صدرك ؟ } فقد اتصل هذا الآخر بالأول اتصال المعلول بالعلة ، ولاءم ما بعدها بذلك أيضاً بعينه ملاءمة الشمس بالأهلة ، وآخر هذه السورة مشير إلى الاجتهاد في العبادة عند الفراغ من جهاد الكفار في جزيرة العرب بعد انقضاء ما يوازي عدد آي هذه السورة من السنين بعد الهجرة ، وهي ثمان ، رغبة في الأخرى التي هي خير من الأولى ، إشارة إلى قرب الأجل بما أشارت إليه سورة النصر - كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
فقد اتصل هذا الآخر بالأول اتصال المعلول بالعلة ، ولاءم ما بعدها بذلك أيضاً بعينه ملاءمة الشمس بالأهلة ، وآخر هذه السورة مشير إلى الاجتهاد في العبادة عند الفراغ من جهاد الكفار في جزيرة العرب بعد انقضاء ما يوازي عدد آي هذه السورة من السنين بعد الهجرة ، وهي ثمان ، رغبة في الأخرى التي هي خير من الأولى ، إشارة إلى قرب الأجل بما أشارت إليه سورة النصر - كما سيأتي إن شاء الله تعالى .