في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي يُحۡيِۦ وَيُمِيتُۖ فَإِذَا قَضَىٰٓ أَمۡرٗا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (68)

56

وهو يعقب عليها بعرض حقيقة الإحياء والإماتة . وحقيقة الخلق والإنشاء جميعاً :

( هو الذي يحيي ويميت . فإذا قضى أمراً فإنما يقول له : كن . فيكون ) . .

وتكثر الإشارة في القرآن إلى آيتي الحياة والموت . لأنهما تلمسان قلب الإنسان بشدة وعمق . ثم لأنهما الظاهرتان البارزتان المكررتان في كل ما يقع عليه حس الإنسان . وللإحياء والإماتة مدلول أكبر مما يبدو لأول مرة . فالحياة ألوان . والموت ألوان . وإن رؤية الأرض الميتة . ثم رؤيتها تنبض بالحياة . ورؤية الشجرة الجافة الأوراق والأغصان في موسم ، ثم رؤيتها والحياة تنبثق منها في كل موضع ، وتخضر وتورق وتزهر ، كما لو كانت الحياة تتفجر منها وتفيض . ورؤية البيضة . . ثم الفرخ . ورؤية البذرة ثم النبتة . . وعكس هذه الرحلة . . من الحياة إلى الموت ، كالرحلة من الموت إلى الحياة . . كلها تلمس القلب وتستجيشه إلى قدر من التأثر والتدبر يختلف باختلاف النفوس والحالات .

ومن الحياة والموت إلى حقيقة الإنشاء وأداة الإبداع . وإن هي إلا الإرادة يتمثل اتجاهها إلى الخلق . خلق أي شيء . في كلمة( كن ) . . فإذا الوجود ينبثق على إثرها( فيكون )فتبارك الله أحسن الخالقين . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي يُحۡيِۦ وَيُمِيتُۖ فَإِذَا قَضَىٰٓ أَمۡرٗا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (68)

66

المفردات :

قضى أمرا : أراد إيجاد شيء .

كن فيكون : تمثيل لسرعة إيجاده ، وتصوير لتأثير قدرته تعالى في المقدورات عند تعلق إرادته بها ، من غير أن يكون هناك آمر أو مأمور ، والخلاصة أنه إذا أراد إيجاد شيء أوجده في لمح البصر .

التفسير :

68- { هو الذي يحي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون } .

الحياة بيد الله والموت بيده ، والنهار والليل ، الهدى والضلال ، الخلق والموت ، كل ذلك بقدرته ، فولادة الوليد وتطوره طفلا ثم فتى ثم شابا ثم شيخا ، ثم موته ودفنه وبعثه وحسابه ، كل ذلك بيد القدرة الإلهية التي تفعل ما تريد ، وتنفّذ ما تشاء في أقل من لمح البصر .

والآية تمثيل لكمال القدرة ، وتصوير لتنفيذ مراده سبحانه ، فإذا أراد الله أمرا وُجد ، وكان في سرعة استجابة المأمور والمطيع للآمر المطاع ، والله أعلم .

قال المفسرون :

والمراد من الآية التنبيه على قدرة الله في الإحياء والإماتة ، وعلى سرعة إنجاز الخلق والتكوين بمجرد إرادة الله تعالى الفعل .

وقال الزمخشري :

والآية تشير إلى قدرته على الإحياء والإماتة ، وسائر ما ذكر من أفعاله الدالة على أن مقدورا لا يمتنع عليه ، كأنه قال : فلذلك الاقتدار ، إذا قضى أمرا كان أهون شيء عليه وأيسره .

وقال الآلوسي في تفسيره :

وهذا عند الخلف تمثيل لتأثير قدرته تعالى في المقدورات ، عند تعلق إرادته – سبحانه – بها ، وتصوير لسرعة ترتيب المكونات على تكوينه ، من غير أن يكون هناك آمر ومأمور .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي يُحۡيِۦ وَيُمِيتُۖ فَإِذَا قَضَىٰٓ أَمۡرٗا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (68)

ولما نظم سبحانه هذا الدليل في صنع الآدمي من التراب ، وختمه بأن دلالته على البعث - بإجراء سنته في إرجاع أواخر الأمور على أوائلها وغير ذلك - لا يحتاج إلى غير العقل ، أنتج عنه قوله : { هو } لا غيره { الذي يحيي ويميت } كما تشاهدونه في أنفسكم وكما مضى لكم الإشارة إليه بخلق السماوات والأرض ، فإن من خلقهما خلق ما بينهما من الآجال المضروبة باختلاف الليل والنهار والشهور والأعوام لبلوغ الأفلاك مواضعها ، ثم رجوعها عوداً على بدء مثل تطوير الإنسان بعد الترابية من النطفة إلى العلقة إلى ما فوقها ، ثم رجوعه في مدارك هبوطه إلى أن تصير تراباً كما كان ، فليست النهاية بأبعد من البداية .

ولما كانت إرادته لا تكون إلا تامة نافذة ، سبب عن ذلك قوله معبراً بالقضاء : { فإذا قضى أمراً } أي أراد أيّ أمر كان من القيامة أو غيرها { فإنما يقول له كن } ولما كانت { إذا } شرطية أجابها في قراءة ابن عامر بقوله : { فيكون * } وعطفها في قراءة غيره على { كن } بالنظر إلى معناه ، أو يكون خبراً لمبتدأ أي فهو يكون ، وعبر بالمضارع تصويراً للحال وإعلاماً بالتجدد عند كل قضاء ، وقد مضى في سورة البقرة إشباع الكلام في توجيه قراءة ابن عامر بما تبين به أنها أشد من قراءة غيره .