ثم تنقسم الحشود الحاشدة والأمم المختلفة ، على مدى الأجيال واختلاف الأجناس فريقين اثنين . فريقين اثنين . يجمعان كل هذه الحشود : الذين آمنوا . والذين كفروا . فهاتان هما الرايتان الوحيدتان عند الله وهذان هما الحزبان : حزب الله . وحزب الشيطان . وما عدا هذا من الملل والنحل والأجناس والأمم فإليهما يعود :
( فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فيدخلهم ربهم في رحمته . ذلك هو الفوز المبين ) . .
وقد استراحوا من طول الارتقاب ، ومن القلق والاضطراب . . والنص ينهي أمرهم في سرعة وفي بساطة ، ليلقي هذا الظل المستطاب .
30- { فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين } .
ينقسم الناس في الآخرة إلى قسمين : المؤمنون ، والمجرمون .
أما المؤمنون الذين آمنوا بالله وأطاعوا أوامره واجتنبوا نواهيه ، وقدموا الأعمال الصالحة ، فيدخلهم الله في جنته ورضوانه ، وذلك الفوز أعظم فوز لأنه النجاح الذي لا يعدله نجاح ، النجاح في الآخرة حيث الحياة الحقيقية ، وفي الحديث الصحيح : أن الله تعالى قال للجنة : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء9 .
ولهذا فصل ما يفعل الله بالفريقين فقال : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } إيمانا صحيحا وصدقوا إيمانهم بالأعمال الصالحة من واجبات ومستحبات { فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ } التي محلها الجنة وما فيها من النعيم المقيم والعيش السليم ، { ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ } أي : المفاز والنجاة والربح والفلاح الواضح البين الذي إذا حصل للعبد حصل له كل خير واندفع عنه كل شر .
ولما صرح بالمبطلين حسب ما اقتضاه الحال كما تقدم ، وأشار إلى المحقين{[58321]} ، صرح بما لوح إليه من أمر المحقين-{[58322]} وعطف-{[58323]} عليهم أضدادهم ، فقال بادئاً بهم على طريق النشر المشوش مفصلاً : { فأما الذين آمنوا } أي من الأمم الجاثية { وعملوا } تصديقاً لدعواهم الإيمان { الصالحات فيدخلهم } أي في ذلك اليوم {[58324]}الذي ذكرنا عظمته وشدة هوله{[58325]} { ربهم } الذي أحسن إليهم بالتوفيق بالأعمال {[58326]}الصالحة المرضية الموصلة{[58327]} { في رحمته } أي تقريبه {[58328]}وإكرامه{[58329]} بجليل الثواب وحسن المآب ، وتقول لهم الملائكة تشريفاً{[58330]} : سلام عليكم أيها المؤمنون ، ودل على عظيم الرحمة بقوله : { ذلك } أي الإحسان العالي المنزلة { هو } أي-{[58331]} لا غيره { الفوز } .
ولما كان السياق لغباوتهم وخفاء الأشياء عليهم قال تعالى : { المبين * } الذي لا يخفى على أحد شيء من أمره ، لأنه لا يشوبه كدر أصلاً ولا نقص ، بخلاف ما كان من أسبابه{[58332]} في الدنيا ، فإنها - مع كونها كانت فوزاً - كانت خفية جداً على غير الموقنين