طلع : ما ينمو ويصير بلحا ثم رطبا ثم تمرا .
10- { والنخل باسقات لها طلع نضيد } .
وأنبتنا بهذا الماء النخل الطويلات ، بها بلح منظم منضد متراكم بعضه على بعض ، مما يدل على كثرته ، وتخصيص النخل بالذكر مع اندراجه في الجنات لبيان فضل النخلة على سائر الأشجار .
وفي الحديث الشريف : ( إنها أمكم النخلة ) .
وفي الحديث أيضا : ( ألا أدلكم على شجرة كقلب المؤمن لا تجف صيفا ولا شتاء ) ، قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : ( إنها النخلة )5 .
وقد ورد في الحديث أن من الصدقات الجارية زراعة النخيل ، ووقف المصحف ، ودعاء الابن لوالده .
{ والنخل باسقات } وأنبتنا به النخل طوالا ؛ من البسوق وهو الطول . يقال : بسق فلان على أصحابه – من باب دخل – علاهم وطال عليهم في الفضل . والنخل اسم جنس يذكر ويؤنث ويجمع . وخص بالذكر لمزيد فضله وكثرة منافعه . { لها طلع } أي للنخل الباسقات طلع وهو الكفرى قبل أن ينبسق . { نضيد } منضود ، أي متراكب بعضه فوق بعض ، من نضد المتاع ينضده : إذا وضع بعضه فوق بعض ، كنضده . والمراد : كثرة ما فيه من مادة الثمر .
فإن في النظر في هذه الأشياء { تَبْصِرَةً } يتبصر بها ، من عمى الجهل ، { وَذِكْرَى } يتذكر بها ، ما ينفع في الدين والدنيا ، ويتذكر بها ما أخبر الله به ، وأخبرت به رسله ، وليس ذلك لكل أحد ، بل { لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ } إلى الله أي : مقبل عليه بالحب والخوف والرجاء ، وإجابة داعيه ، وأما المكذب والمعرض ، فما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون .
وحاصل هذا ، أن ما فيها من الخلق الباهر ، والشدة والقوة ، دليل على كمال قدرة الله تعالى ، وما فيها من الحسن والإتقان ، وبديع الصنعة ، وبديع الخلقة{[816]} دليل على أن الله أحكم الحاكمين ، وأنه بكل شيء عليم ، وما فيها من المنافع والمصالح للعباد ، دليل على رحمة الله ، التي وسعت كل شيء ، وجوده ، الذي عم كل حي ، وما فيها من عظم الخلقة ، وبديع النظام ، دليل على أن الله تعالى ، هو الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا ، ولم يكن له كفوًا أحد ، وأنه الذي لا تنبغي العبادة ، والذل [ والحب ] إلا له تعالى .
" والنخل باسقات " نصب على الحال{[14152]} ردا على قوله : " وحب الحصيد " و " باسقات " حال . والباسقات الطوال ، قاله مجاهد وعكرمة . وقال قتادة وعبدالله بن شداد : بسوقها استقامتها في الطول . وقال سعيد بن جبير : مستويات . وقال الحسن وعكرمة أيضا والفراء : مواقير حوامل ، يقال للشاة بسقت إذا ولدت ، قال الشاعر :
فلما تركنا الدار ظَلَّتْ مُنِيفَةً *** بِقُرَّانَ فِيهِ البَاسِقَاتُ المَوَاقِرُ
والأول في اللغة أكثر وأشهر ، يقال بسق النخل بسوقا إذا طال . قال :
لنا خمرٌ وليست خمرُ كَرَمْ *** ولكن من نِتَاجِ الباسقات
كرامٌ في السماء ذهبن طولا *** وفات ثمارُها أيدي الجُنَاةِ
ويقال : بسق فلان على أصحابه أي علاهم ، وأبسقت الناقة إذا وقع في ضرعها للبن{[14153]} قبل النتاج فهي مبسق ونوق مباسيق . وقال قطبة بن مالك : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ " باصقات " بالصاد ، ذكره الثعلبي . قلت : الذي في صحيح مسلم عن قطبة بن مالك قال : صليت وصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ " ق والقرآن المجيد " حتى قرأ " والنخل باسقات " قال فجعلت أرددها ولا أدري ما قال ، إلا أنه لا يجوز إبدال الصاد من السين لأجل القاف . " لها طلع نضيد " الطلع هو أول ما يخرج من ثمر النخل ، يقال : طلع الطلع طلوعا وأطلعت النخلة ، وطلعها كُفُرّاها قبل أن ينشق . " نضيد " أي متراكب قد نضد بعضه على بعض . وفي البخاري " النضيد " الكفري ما دام في أكمامه ومعناه منضود بعضه على بعض ، فإذا خرج من أكمامه فليس بنضيد .
ولما كان النخل من أعجبه ما يتكون منه مع ما له من المنافع التي {[61105]}لا يساويه فيها{[61106]} شجر ، والطباق للرزع بالطول والقصر والاتساق بالاقتيات للآدميين والبهائم ، قال : { والنخل باسقات } أي عاليات طويلات على جميع الأشجار المثمرة ذوات أثمار طيبة { لها } مع يبس ساقها { طلع نضيد * } أي مصفوف متراكم بعضه فوق بعض ، وهو حشو طلعه ، والطلع ذلك الخارج من أعلى النخلة كأنه فعلان مطبقان ، والحمل النضيد بينهما ، والطرف محدد ، أو{[61107]} الطلع ما يبدو من ثمر النخل أول ظهورها ، وذلك القشر يسمى الكفرى لتعطيته إياه على أحكم مما يكون وأوثق ، والطلع{[61108]} يشبه ما للناقة المبسق من اللبا المتكون في ضرعها قبل{[61109]} النتاج ، ثم يصير بعد اتحاده في البياض وهو طلع إلى الافتراق حال الينوع إلى أحمر وأصفر وأخضر وغير ذلك من الألوان الغريبة ، والأوصاف العجيبة ، وهي محيطة المنافع بالتفكه على عدة أنواع والاقتيات وغير ذلك ، وطلعها مخالف {[61110]}لعادة أكثر{[61111]} الأشجار فإن ثمارها مفردة ، كل حبة منفردة عن أختها .