وهنا تعرض في خطفة سريعة رقعة الحياة الدنيا التي طويت في السياق . فإذا نحن في الأرض مرة أخرى . وإذا التبكيت والترذيل يوجهان للمجرمين !
( كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون . ويل يومئذ للمكذبين ! ) . .
وهكذا تختلط الدنيا بالآخرة في فقرتين متواليتين ، وفي مشهدين معروضين كأنهما حاضران في أوان ، وإن كانت تفرق بينهما أزمان وأزمان . فبينما كان الخطاب موجها للمتقين في الآخرة ، إذا هو موجه للمجرمين فيالدنيا . وكأنما ليقال لهم : اشهدوا الفارق بين الموقفين . . وكلوا وتمتعوا قليلا في هذه الدار ، لتحرموا وتعذبوا طويلا في تلك الدار . . ( ويل يومئذ للمكذبين ! ) .
46- كلوا وتمتّعوا قليلا إنكم مجرمون .
أي : كلوا أيها الكفار ملء بطونكم ، وتمتعوا بشهواتكم في أيام الدنيا ، وهي قليلة بالنسبة للآخرة .
لا تستحقون التكريم في الآخرة ، فقد بعتم آخرتكم واشتريتم دنياكم وحظوظكم العاجلة ، فكنتم أشبه بالأنعام التي لا يهمها إلا ملء بطونها وإشباع شهواتها .
قال تعالى : إن شرّ الدّواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون . ( الأنفال : 55 ) .
وقال عز شأنه : قل متاع الدنيا قليلا والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا . ( النساء : 77 ) .
{ 46 - 50 } { كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ }
هذا تهديد ووعيد للمكذبين ، أنهم وإن أكلوا في الدنيا وشربوا وتمتعوا باللذات ، وغفلوا عن القربات ، فإنهم مجرمون ، يستحقون ما يستحقه المجرمون ، فستنقطع عنهم اللذات ، وتبقى عليهم التبعات .
ولما ذكر نعيم أهل الجنة الذي لا ينقضي لأن لهم غاية المكنة فيه ، وكان ذلك آجلاً ، وكان المكذبون في اتساع في الدنيا ، وتقدم قوله تعالى{ إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع }[ الطور : 7 ] وكان الشقاء متى وقع بعد نعيم نسخه وعد النعيم - ولو كان كثيراً طويلاً - قليلاً ، قال نتيجة لجواب القسم ضد ما يقال للمتقين تسلية لهم وتحزيناً للمكذبين بناء على ما تقديره : إن المكذبين في هذه الدنيا في استدراج وغرور ، ويقول لهم لسان الحال المعرب عن أحوالهم{[70984]} في المآل توبيخاً وتهديداً : { كلوا } أي أيها المكذبون في هذه الدنيا { وتمتعوا } أي كذلك بمثل الجيفة ، فإن المتاع{[70985]} من أسمائها كما مر غير مرة عن أهل اللغة { قليلاً } أي وإن امتد زمنه فإنه زائل مع قصر مدته في مدة الآخرة ، ولا يؤثر ذلك على الباقي النفيس إلا خسيس{[70986]} الهمة ، قال الرازي ، وقال بعضهم : التمتع بالدنيا{[70987]} من أفعال الكافرين ، والسعي لها من أفعال الظالمين ، والاطمئنان إليها من أفعال الكاذبين ، والسكون فيها على حد الإذن والأخذ منها على قدر الحاجة من أفعال عوام المؤمنين ، والإعراض عنها من أفعال الزاهدين ، وأهل الحقيقة أجل خطراً من أن يؤثر فيهم حب الدنيا وبغضها وجمعها وتركها .
ولما أحلهم{[70988]} هذا المحل الخبيث ، وكان التقدير : فإنه لا بد من وقوع العذاب بكم يوم الفصل ، علل ذلك بقوله مؤكداً لأنهم ينكرون وصفهم بذلك : { إنكم مجرمون * } أي عريقون في قطع كل ما أراد الله به أن يوصل ، فلا جائز أن تعاملوا معاملة المحسنين ، فلذلك كانت نتيجة هذا { ويل يومئذ . . . . }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.