نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلًا إِنَّكُم مُّجۡرِمُونَ} (46)

ولما ذكر نعيم أهل الجنة الذي لا ينقضي لأن لهم غاية المكنة فيه ، وكان ذلك آجلاً ، وكان المكذبون في اتساع في الدنيا ، وتقدم قوله تعالى{ إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع }[ الطور : 7 ] وكان الشقاء متى وقع بعد نعيم نسخه وعد النعيم - ولو كان كثيراً طويلاً - قليلاً ، قال نتيجة لجواب القسم ضد ما يقال للمتقين تسلية لهم وتحزيناً للمكذبين بناء على ما تقديره : إن المكذبين في هذه الدنيا في استدراج وغرور ، ويقول لهم لسان الحال المعرب عن أحوالهم{[70984]} في المآل توبيخاً وتهديداً : { كلوا } أي أيها المكذبون في هذه الدنيا { وتمتعوا } أي كذلك بمثل الجيفة ، فإن المتاع{[70985]} من أسمائها كما مر غير مرة عن أهل اللغة { قليلاً } أي وإن امتد زمنه فإنه زائل مع قصر مدته في مدة الآخرة ، ولا يؤثر ذلك على الباقي النفيس إلا خسيس{[70986]} الهمة ، قال الرازي ، وقال بعضهم : التمتع بالدنيا{[70987]} من أفعال الكافرين ، والسعي لها من أفعال الظالمين ، والاطمئنان إليها من أفعال الكاذبين ، والسكون فيها على حد الإذن والأخذ منها على قدر الحاجة من أفعال عوام المؤمنين ، والإعراض عنها من أفعال الزاهدين ، وأهل الحقيقة أجل خطراً من أن يؤثر فيهم حب الدنيا وبغضها وجمعها وتركها .

ولما أحلهم{[70988]} هذا المحل الخبيث ، وكان التقدير : فإنه لا بد من وقوع العذاب بكم يوم الفصل ، علل ذلك بقوله مؤكداً لأنهم ينكرون وصفهم بذلك : { إنكم مجرمون * } أي عريقون في قطع كل ما أراد الله به أن يوصل ، فلا جائز أن تعاملوا معاملة المحسنين ، فلذلك كانت نتيجة هذا { ويل يومئذ . . . . }


[70984]:في ظ: أعمالهم.
[70985]:من ظ و م، وفي الأصل: في.
[70986]:زيدت الواو في الأصل ولم تكن في ظ و م فحذفناها
[70987]:من ظ و م، وفي الأصل: في الدنيا.
[70988]:من ظ و م، وفي الأصل: أحل.