السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلًا إِنَّكُم مُّجۡرِمُونَ} (46)

وقوله تعالى : { كلوا وتمتعوا } خطاب للكفار في الدنيا { قليلاً } أي : من الزمان وغايته إلى الموت وهو زمان قليل لأنه زائل مع قصر مدّته في زمن الآخرة وفي هذا تهديد لهم ، ويجوز أن يكون ذلك خطاباً لهم في الآخرة إيذاناً بأنهم كانوا في الدنيا أحقاء بأن يقال لهم ، وكانوا من أهله تذكيراً بحالهم السمجة بما جنوا على أنفسهم من إيثار المتاع القليل على النعيم والملك الخالد ، وهذا ما جرى عليه الزمخشري أوّلاً وذكر الأول ثانياً ، واقتصر الجلال المحلي على ما ذكرته أولاً وهو أولى . قال بعض العلماء : التمتع بالدنيا من أفعال الكافرين ، والسعي لها من أفعال الظالمين ، والاطمئنان إليها من أفعال الكاذبين ، والسكون فيها على حد الإذن ، والأخذ منها على قدر الحاجة من أفعال عوام المؤمنين ، والإعراض عنها من أفعال الزاهدين ، وأهل الحقيقة أجل خطراً من أن يؤثر فيهم حب الدنيا وبغضها وجمعها وتركها .

ثم علل ذلك مؤكداً بقوله تعالى لأنهم ينكرون وصفهم بذلك : { إنكم مجرمون } ففيه دلالة على أنّ كل مجرم يتمتع أياماً قلائل ، ثم البقاء في الهلاك أبداً .