ثم يصور لهم ذلك اليوم في مشهد حي تتملاه العيون :
( قتل الخراصون . الذين هم في غمرة ساهون . يسألون : أيان يوم الدين ? يوم هم على النار يفتنون . ذوقوا فتنتكم ، هذا الذي كنتم به تستعجلون ) . .
والخرص : الظن والتقدير الجزاف الذي لا يقوم على ميزان دقيق . والله - سبحانه - يدعوا عليهم بالقتل . فيا للهول ! ودعوة الله عليهم بالقتل قضاء بالقتل ! ( قتل الخراصون )
الخرّاصون : الكذّابون من أصحاب القول المختلف .
لعن هؤلاء الكذابون الذين افتروا على القرآن الكذب ، وعلى الرسول التهم الكاذبة .
{ قتل الإنسان ما أكفره } . ( عبس : 17 ) . أي : لعن ، { قاتلهم الله . . . } ( التوبة : 30 ) . أي : لعنهم .
فالآية دعاء عليهم ، جزاء تخرّصهم الكذب ، والافتراء على القرآن وعلى النبي صلى الله عليه وسلم .
{ 10-14 } { قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ * يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ * ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ }
يقول تعالى : { قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ } أي : قاتل الله الذين كذبوا على الله ، وجحدوا آياته ، وخاضوا بالباطل ، ليدحضوا به الحق ، الذين يقولون على الله ما لا يعلمون .
قوله تعالى : " قتل الخراصون " في التفسير : لعن الكذابون . وقال ابن عباس : أي قتل المرتابون ، يعني الكهنة . وقال الحسن : هم الذين يقولون لسنا نبعث . ومعنى " قتل " أي هؤلاء ممن يجب أن يدعى عليهم بالقتل على أيدي المؤمنين . وقال الفراء : معنى " قتل " لعن ، قال : و " الخراصون " الكذابون الذين يتخرصون بما لا يعلمون ، فيقولون : إن محمدا مجنون كذاب . ساحر شاعر ، وهذا دعاء عليهم ؛ لأن من لعنه الله فهو بمنزلة المقتول الهالك . قال ابن الأنباري : علمنا الدعاء عليهم ، أي قولوا : " قتل الخراصون " وهو جمع خارص ، والخَرْص الكذب والخَرَّاص الكذاب ، وقد خَرَص يَخْرُص بالضم خَرْصا أي كذب ، يقال : خَرَص واخترص ، وخلق واختلق ، وبَشَك وابتشك ، وسرج واسترج ، ومَان ، بمعنى كذب ، حكاه النحاس . والخرص أيضا حزر ما على النخل من الرطب تمرا . وقد خَرَصت النخل والاسم الخرص بالكسر ، يقال : كم خِرص نخلك والخَرَّاص الذي يخرصها فهو مشترك . وأصل الخَرْص القطع على ما تقدم بيانه في " الأنعام{[14208]} " ومنه الخريص للخليج ؛ لأنه ينقطع إليه الماء ، والخُِرص حبة القرط إذا كانت منفردة ؛ لانقطاعها عن أخواتها ، والخُرْص العود ؛ لانقطاعه عن نظائره بطيب رائحته . والخَرِص الذي به جوع وبرد ؛ لأنه ينقطع به ، يقال : خرص الرجل بالكسر فهو خرص ، أي جائع مقرور ، ولا يقال للجوع بلا برد خَرَص . ويقال للبرد بلا جوع خَرَص . والخُِرص بالضم والكسر الحلقة من الذهب أو الفضة والجمع الخِرْصَان . ويدخل في الخَرْص قول المنجمين وكل من يدعي الحدس والتخمين . وقال ابن عباس : هم المقتسمون الذين اقتسموا أعقاب مكة ، واقتسموا القول في نبي الله صلى الله عليه وسلم ؛ ليصرفوا الناس عن الإيمان به .
ولما كان الكذب الإخبار بما لا حقيقة له وتعمد الافتراء ، وكان الخرص الكذب والافتراء والاختلاف وكل قول بالظن ، قال معلماً بما لهم على قولهم هذا : قتلوا أو قتلتم - هكذا كان الأصل ولكنه أظهر{[61332]} الوصف الذي استحقوه بقولهم : { قتل الخراصون * } أي حصل بأيسر أمر قتل الكذابين{[61333]} ولا محالة من كل قاتل ، والمتقولين بالظن المنقطعين للكلام من أصل لا يصلح للخرص وهو القطع ، وهم الذين يقولون عن غير سند من كتاب أو سنة أو أثارة من علم ، وهو دعاء أو{[61334]} خبر لأنه مجاب :