ويبدأ الحديث عن المكذبين به ، وما نالهم من الهول ، وما أخذوا به من القصم ، فذلك الأمر جد لا يحتمل التكذيب ، ولا يذهب ناجيا من يصر فيه على التكذيب :
( كذبت ثمود وعاد بالقارعة . فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية . وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية . سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما . فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية . فهل ترى لهم من باقية ? ) .
وهذا اسم جديد للحاقة . إنها فوق إنها تحق . . فهي تقرع . . والقرع ضرب الشيء الصلب والنقر عليه بشيء مثله . والقارعة تقرع القلوب بالهول والرعب ، وتقرع الكون بالدمار والحطم . وها هي ذي بجرسها تقعقع وتقرقع ، وتقرع وتفزع . . وقد كذبت بها ثمود وعاد .
القارعة : القيامة ، سميت بذلك لأنها تقرع القلوب بأهوالها .
تحدّث صدر السورة عن القيامة وهي الحاقّة ، ثم انتقل إلى الحديث عمّن كذب بها ، وهم :
ثمود قوم صالح ، وكانوا يسكنون بالحجر في شمال الحجاز ، بين الحجاز والشام ، وقد سلّط الله عليهم الصيحة الطاغية ، تطويهم طيّا ، وتغمرهم غمرا ، وتعصف بهم عصفا ، وتطغى عليهم فلا تبقى لهم ظلاّ .
وأما عاد فكانوا يسكنون في جنوب الجزيرة بين اليمن وسلطنة عمان ، وكانوا أشداء بطّاشين جبّارين ، وقد كذّبوا بالقارعة التي تقرع القلوب بأهوالها .
أي كذّبت ثمود وكذّبت عاد بالقارعة التي تقرع الناس بأهوالها ، وتقرع السماء فتنشق على غلظها ، وتقرع الأرض والجبال بالدك والنّسف ، وتقرع النجوم بالطمس والسقوط .
{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ } وهم القبيلة المشهورة سكان الحجر الذين أرسل الله إليهم رسوله صالحا عليه السلام ، ينهاهم عما هم عليه من الشرك ، ويأمرهم بالتوحيد ، فردوا دعوته وكذبوه وكذبوا ما أخبرهم به من يوم القيامة ، وهي القارعة التي تقرع الخلق بأهوالها ، وكذلك عاد الأولى سكان حضرموت حين بعث الله إليهم رسوله هودا عليه الصلاة والسلام يدعوهم إلى عبادة الله [ وحده ] فكذبوه وكذبوا بما أخبر{[1206]} به من البعث فأهلك الله الطائفتين بالهلاك المعجل{[1207]} .
{[67859]}ولما ذكر حال من هلك{[67860]} من الأمم السالفة بسوء تكذيبهم وقبيح عنادهم ، أتبع ذلك بذكر الوعيد الأخراوي{ يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية }[ الحاقة : 18 ] ثم عاد الكلام إلى ما بنيت عليه سورة { ن والقلم } من تنزيهه صلى الله عليه وسلم وتكريمه مقسماً على ذلك{ إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر - ولا بقول كاهن{[67861]} قليلاً ما تذكرون{[67862]} }[ الحاقة : 41 ، 42 ] و{[67863]}انتهى نفي{[67864]} ما تقوله منصوصاً على نزاهته عن{[67865]} كل خلة منها في السورتين{ ما أنت بنعمة ربك بمجنون }[ القلم : 2 ] وما الذي جئت به بقول شاعر ولا بقول كاهن بل هو تنزيل من رب العالمين ، وأنه لتذكرة للمتقين وإنه لحق اليقين ، فنزه ربك وقدسه من عظيم ما ارتكبوه - انتهى{[67866]} . فلما بلغ التهويل حده ، وكان سبب الإنكار للساعة ظن عدم القدرة عليها مطلقاً{[67867]} أو لعدم العلم بالجزئيات ، قال دالاً على تمام القدرة والعلم{[67868]} {[67869]}بالكليات والجزئيات{[67870]} ، محذراً من {[67871]}أنكرها بأنه{[67872]} قادر على تعجيل الانتقام ولكنه لإكرامه لهذه{[67873]} الأمة أخر عذابها إلى الآخرة إلا لمن كان منهم من الخواص فإنه يظهرهم في الدنيا ليتم نعيمهم بعد الموت بادئاً بأشد القبائل تكذيباً بالبعث لكون ناقتهم أول دليل على القدرة عليه ، وقالوا مع ذلك{ أبشر منا واحداً نتبعه }[ القمر : 24 ] إلى أن قالوا :{ بل هو كذاب أشر }[ القمر : 25 ] وقالوا في التكذيب بها{[67874]}{ أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً أنكم مخرجون هيهات هيهات لما توعدون إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت }[ المؤمنون : 35 ، 36 ، 37 ] - الآيات ، فإن الامر فيهم دائر بين عاد وثمود : { كذبت ثمود } وتقديمهم أيضاً من حيث أن بلادهم أقرب إلى قريش ، وواعظ{[67875]} القرب أكبر وإهلاكهم بالصيحة وهي أشبه بصيحة النفخ في الصور المبعثر لما في القبور { وعاد } وكان الأصل أن يقال : بها ، ولكنه أظهرها بوصف زادها عظماً وهولاً فقال : { بالقارعة * } أي التي{[67876]} تقرع ، أي تضرب ضرباً قوياً وتدق دقاً عنيفاً شديداً للأسماع وجميع العالم بانفطار السماوات{[67877]} وتناثر النيرات{[67878]} ونسف الجبال الراسيات ، فلا يثبت لذلك الهول شيء .
قوله : { كذّبت ثمود وعاد بالقارعة } ثمود قوم صالح . وعاد قوم هود فقد كذّب هؤلاء بالقارعة ، وهي الساعة . فهي اسم من أسماء القيامة ، والقارعة في اللغة هي الشديدة من شدائد الدهر وهي الداهية{[4613]} وسميت بالقارعة ، لأنها تقرع قلوب الناس بأهوالها وشدائدها . فهي تأخذ الناس على غرّة وهم في غمرة لهوهم ساهون غافلون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.