في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{تَبۡصِرَةٗ وَذِكۡرَىٰ لِكُلِّ عَبۡدٖ مُّنِيبٖ} (8)

1

وعلى مشهد السماء المبنية المتطاولة الجميلة ، والأرض الممدودة الراسية البهيجة يلمس قلوبهم ، ويوجهها إلى جانب من حكمة الخلق ، ومن عرض صفحات الكون :

( تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ) . .

تبصرة تكشف الحجب ، وتنير البصيرة ، وتفتح القلوب ، وتصل الأرواح بهذا الكون العجيب ، وما وراءه من إبداع وحكمة وترتيب . . تبصرة ينتفع بها كل عبد منيب ، يرجع إلى ربه من قريب .

وهذه هي الوصلة بين القلب البشري وإيقاعات هذا الكون الهائل الجميل . هذه هي الوصلة التي تجعل للنظر في كتاب الكون ، والتعرف إليه أثرا في القلب البشري ، وقيمة في الحياة البشرية . هذه هي الوصلة التي يقيمها القرآن بين المعرفة والعلم وبين الإنسان الذي يعرف ويعلم . وهي التي تهملها مناهج البحث التي يسمونها " علمية " في هذا الزمان . فتقطع ما وصل الله من وشيجة بين الناس والكون الذي يعيشون فيه . فالناس قطعة من هذا الكون لا تصح حياتهم ولا تستقيم إلا حين تنبض قلوبهم على نبض هذا الكون ؛ وإلا حين تقوم الصلة وثيقة بين قلوبهم وإيقاعات هذا الكون الكبير . وكل معرفة بنجم من النجوم ، أو فلك من الأفلاك ، أو خاصة من خواص النبات والحيوان ، أو خواص الكون كله على وجه الإجمال وما فيه من عوالم حية وجامدة - إذا كانت هناك عوالم جامدة أو شيء واحد جامد في هذا الوجود ! - كل معرفة " علمية " يجب أن تستحيل في الحال إلى إيقاع في القلب البشري ، وإلى ألفة مؤنسة بهذا الكون ، وإلى تعارف يوثق أواصر الصداقة بين الناس والأشياء والأحياء . وإلى شعور بالوحدة التي تنتهي إلى خالق هذا الكون وما فيه ومن فيه . . وكل معرفة أو علم أو بحث يقف دون هذه الغاية الحية الموجهة المؤثرة في حياة البشر ، هي معرفة ناقصة ، أو علم زائف ، أو بحث عقيم !

إن هذا الكون هو كتاب الحق المفتوح ، الذي يقرأ بكل لغة ، ويدرك بكل وسيلة ؛ ويستطيع أن يطالعه الساذج ساكن الخيمة والكوخ ، والمتحضر ساكن العمائر والقصور . كل يطالعه بقدر إدراكه واستعداده ، فيجد فيه زادا من الحق ، حين يطالعه بشعور التطلع إلى الحق . وهو قائم مفتوح في كل آن : ( تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ) . . ولكن العلم الحديث يطمس هذه التبصرة أو يقطع تلك الوشيجة بين القلب البشري والكون الناطق المبين . لأنه في رؤوس مطموسة رانت عليها خرافة " المنهج العلمي " . المنهج الذي يقطع ما بين الكون والخلائق التي تعيش فيه !

والمنهج الإيماني لا ينقص شيئا من ثمار " المنهج العلمي " في إدراك الحقائق المفردة . ولكنه يزيد عليه ربط هذه الحقائق المفردة بعضها ببعض ، وردها إلى الحقائق الكبرى ، ووصل القلب البشري بها ، أي وصله بنواميس الكون وحقائق الوجود ، وتحويل هذه النواميس والحقائق إلى إيقاعات مؤثرة في مشاعر الناس وحياتهم ؛ لا معلومات جامدة جافة متحيزة في الأذهان لا تفضي لها بشيء من سرها الجميل ! والمنهج الإيماني هو الذي يجب أن تكون له الكرة في مجال البحوث والدراسات ليربط الحقائق العلمية التي يهتدي إليها بهذا الرباط الوثيق . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{تَبۡصِرَةٗ وَذِكۡرَىٰ لِكُلِّ عَبۡدٖ مُّنِيبٖ} (8)

6

المفردات :

تبصرة وذكرى : تبصيرا وتذكيرا .

منيب : من أناب ، إذا رجع وخضع .

التفسير :

8 – { تبصرة وذكرى لكل عبد منيب } .

إن هذه الصنعة البديعة ، والخضرة الناضرة ، وألوان الزروع والنباتات ، والثمار والكروم والفواكه ، وألوان النبات المتعددة تأخذ بالألباب ، وتبصر القلب والنفس ، وتذكر الفؤاد والحس بأن من أحيا الأرض بعد موتها قادر على إحياء الإنسان بعد الموت ، وقادر على البعث والنشر والحساب والجزاء .

والعبد المنيب : الذي أناب إلى الله ، ورجع إلى مولاه ، وتأمل في بديع مخلوقاته ، وانتقل من جمال الصنعة إلى جلال الصانع .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{تَبۡصِرَةٗ وَذِكۡرَىٰ لِكُلِّ عَبۡدٖ مُّنِيبٖ} (8)

منيب : راجع .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{تَبۡصِرَةٗ وَذِكۡرَىٰ لِكُلِّ عَبۡدٖ مُّنِيبٖ} (8)

{ تبصرة } فعلنا ذلك تبصيرا وتذكيرا ودلالة على قدرتنا { لكل عبد منيب } يرجع إلى الله تعالى فيتفكر في قدرته

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{تَبۡصِرَةٗ وَذِكۡرَىٰ لِكُلِّ عَبۡدٖ مُّنِيبٖ} (8)

" تبصرة " أي جعلنا ذلك تبصرة لندل به على كمال قدرتنا . وقال أبو حاتم : نصب على المصدر ، يعني جعلنا ذلك تبصيرا وتنبيها على قدرتنا " وذكرى " معطوف عليه . " لكل عبد منيب " راجع إلى الله تعالى ، مفكر في قدرته .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{تَبۡصِرَةٗ وَذِكۡرَىٰ لِكُلِّ عَبۡدٖ مُّنِيبٖ} (8)

ولما ذكر هذه الصنائع الباهرة ، عللها بقوله : { تبصرة } أي جعلنا هذه الأشياء كلها ، أي لأجل أن تنظروها بأبصاركم ، ثم تتفكروا ببصائركم ، فتعبروا منها إلى صانعها ، فتعلموا ما له من العظمة { وذكرى } أي ولتتذكروا بها تذكراً عظيماً{[61100]} ، بما لكم من القوى والقدر فتعلموا بعجزكم عن كل شيء من ذلك أن صانعها لا يعجزه شيء ، وأنه محيط بجميع صفات الكمال ، لو ألم-{[61101]} بجنابه شائبة من شوائب النقص لما فاض عنه هذا الصنع الغريب البديع .

ولما كان من لا ينتفع بالشيء كأنه عادم لذلك الشيء ، قصر الأمر على المنتفع فقال : { لكل عبد } يتذكر بما له من النقص وبما دل عليه هذا الصنع من الكمال أنه عبد مربوب لصانعه . ولما كان الإنسان لما له من النقصان لا يزال كلما أعلاه عقله أسفله طبعه ، فكان ربما ظن أنه لا يقبل إذا رجع ، رغبه في الرجوع بقوله : { منيب * } أي رجاع عما حطه عنه طبعه إلى ما يعليه إليه عقله ، فيرجع من شهود هذه الأفعال إلى شهود هذه الصفات إلى علم الذات .


[61100]:في الأصل: عظمة.
[61101]:في الأصل بياض ملأناه من مد لأن جانبا منها يظهر لبعض الحد.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{تَبۡصِرَةٗ وَذِكۡرَىٰ لِكُلِّ عَبۡدٖ مُّنِيبٖ} (8)

قوله : { تبصرة وذكرى لكل عبد منيب } { تبصرة } منصوب على أنه مفعول له {[4310]} أي سخرنا ذلك كله لعقولكم وأفهامكم فتتفكروا وتتدبروا ويكون ذلك دلالة لكم وبرهانا على كمال قدرتنا ، وتنبيها { لكل عبد منيب } أي لكل امرئ مؤمن متدبر خائف من الله ، راجع إليه بقلبه .


[4310]:البيان لابن الأنباري جـ 2 ص 384.