فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{تَبۡصِرَةٗ وَذِكۡرَىٰ لِكُلِّ عَبۡدٖ مُّنِيبٖ} (8)

{ تبصرة وذكرى } هما علتان لما تقدم أي فعلنا ما فعلنا للتبصير والتذكير ، قاله الزجاج : وقال المحلي : تبصيرا منا أي تعليما وتفهيما واستدلالا ، وقيل منصوبان بفعل مقدر من لفظهما ، أي بصرناهم تبصرة ، وذكرناهم ذكرى أو تذكرة ، وقيل : حالان ، أي : مبصرين ومذكرين ، وقيل حال من المفعول ، أي ذات تبصرة وتذكير لمن يراها ، وقال أبو حاتم ، أي : جعلنا ذلك تبصرة وذكرى .

قال الرازي : يحتمل أن يكون المصدران عائدين إلى السماء والأرض ، أي خلقنا السماء تبصرة ، وخلقنا الأرض ذكرى ، ويدل على ذلك أن السماء وزينتها غير متجددة في كل عام فهي كالشيء المرئي على ممر الزمان ، وأما الأرض فهي كل سنة تأخذ زينتها وزخرفتها ، فتذكر ، فالسماء تبصرة والأرض تذكرة ، ويحتمل أن يكون كل واحد من المصدرين موجودا من الأمرين ، فالسماء تبصرة وتذكرة ، والأرض كذلك ، والفرق بين التذكرة والتبصرة هو أن فيهما آيات مستمرة منصوبة في مقابل البصائر ، وآيات متجددة مذكرة عند التناسي { لكل عبد منيب } المنيب الراجع إلى الله بالتوبة المتدبر في بديع صنعه ، وعجائب مخلوقاته ، وفي سياق هذه الآيات تذكير لمنكري البعث ، وإيقاظ لهم عن سنة الغفلة ، وبيان لإمكان ذلك وعدم امتناعه ، فإن القادر على هذه الأمور يقدر عليه ، وهكذا قوله :

{ ونزلنا من السماء }