( ذلك أمر الله أنزله إليكم ) . .
وهذه لمسة أخرى في جانب آخر . لمسة الجد والانتباه إلى مصدر الأمر . . فقد أنزله الله . أنزله للمؤمنين به ، فطاعته تحقيق لمعنى الإيمان ، ولحقيقة الصلة بينهم وبين الله .
ثم عودة إلى التقوى التي يدق عليها دقا متواصلا في هذا المجال :
( ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا ) . .
فالأولى تيسير للأمور . والثانية تكفير للسيئات وإعظام للأجر بعد التكفير . . فهو الفيض المغري والعرض المثير . وهو حكم عام ووعد شامل . ولكنه يخلع على موضوع الطلاق ظلاله ، ويغمر القلب بالشعور بالله
وفضله العميم . فما له إذن يعسر ويعقد والله يغمره بالتيسير والمغفرة والأجر الكبير ?
5- { ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا } .
هذه أوامر الله وتشريعاته ، أنزلها إليكم في حكم المطلقات والمعتدات ، فراقبوا الله مراقبة عامة ، وراقبوه في تنفيذ أحكام المطلقات مراقبة خاصة ، ومن يتق الله ويراقبه ، ويتحصن بتقوى الله وخشيته ، يغفر له ذنوبه ، ويضاعف له الثواب والأجر .
وقد أورد في ظلال القرآن كلاما طويلا جميلا ، خلاصته عناية الإسلام بالأسرة وبالزواج ، وبتزويج الفقراء والتعاون معهم ، واعتبار الزواج ميثاق غليظا ، وحثّه على المحافظة على الزواج ، وعدم التَّسرع في فصم العلاقة الزوجية ، حيث قال تعالى : { وعاشروهنّ بالمعروف فإن كرهتموهنّ فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا } . ( النساء : 19 ) .
ثم أمرنا عند النشوز أو الإعراض من أحد الزوجين بدراسة الحالة ، واستماع وجهة النظر الأخرى ، ومحاولة الصلح بالجهود الذاتية ، فإذا تعسَّر ذلك على الزوجين ، وخيف اتّساع النزاع ، وجب أن نختار حكمين من أهل العقل والحكمة لدراسة الحالة ومحاولة الصلح .
فإذا تعسَّرت كل الطرق لم يبق أمامنا إلا الطلاق بشروطه وآدابه المذكورة في صدر سورة الطلاق ، وكلها شروط تقصد إلى هدوء النفس ، والتريث والانتظار رجاء الرجوع والعدول عن الطلاق ، والعودة إلى نظام الأسرة وتعاون الزوجين .
ونلاحظ أنّ سورة الطلاق حافلة بمؤثرات متعددة تحث على تقوى الله والتوكل عليه ، وتحذر من الظلم والعدوان ، ذلك لأن المطلِّق والمطلَّقة ربما حملهما الطلاق على كيد أحدهما للآخر أو ظلمه ، فحذّر الله من الظلم والعدوان ، وحث على التقوى ومراقبة الله ، والعشرة بالمعروف أو الفرقة بالمعروف .
وهي آداب سامية تعتز بها أمة الإسلام ، ويعتز بها المسلم الذي يجد في كتاب ربه أبواب السعادة والتوفيق في الدنيا والآخرة .
قال الضحاك : من يتق الله في طلاق السنّة ، يجعل له من أمره يسرا في الرجعة .
ولما كان تكرير الحث على التقوى للسؤال عن سببه ، استأنف قوله كالتعليل له : { ذلك } أي الأمر المذكور من جميع هذه الأحكام العالية المراتب { أمر الله } أي الملك الأعلى الذي له الكمال كله ، ونبه على علو رتبة الأمر بقوله{[66091]} : { أنزله إليكم } ولما كان التقدير : فمن أباه هوى في مهاوي المهلكات إلى أسفل سافلين ، عطف عليه قوله : { ومن يتق الله } أي الذي لا أمر لأحد معه بالاجتلاب والاجتناب ، ولما كان الإنسان محل العجز والنقصان ، أنسه بأنه إذا وقع منه زلل{[66092]} فراجعه بالتقوى لطف به فيه جزاء على تقواه بالدفع والنفع فقال : { يكفر } أي يغطي تغطية عظيمة ويستر ويغيب ويسقط { عنه } جميع{[66093]} { سيئاته } ليتخلى عن المبعدات فإن الحسنات يذهبن السيئات . ولما كان الكريم لا يرضى لمن أقبل إليه بالعفو فقط قال : { ويعظم له أجراً * } بأن يبدل سيئاته حسنات ويوفيه أجرها {[66094]}في الدارين{[66095]} مضاعفاً فيتحلى بالمقربات ، وهذا أعظم من مطلق اليسر المتقدم .
قوله : { ذلك أمر الله أنزله إليكم } الإشارة إلى ما بينه الله من أحكام الطلاق والرجعة والعدة . فذلك أمر الله أنزله إليكم لتلتزموه وتعملوا به .
قوله : { ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا } يعني من يخش الله فيجتنب معاصيه ويؤدّ فرائضه ، يمح الله عنه ذنوبه وسيئاته ويجزل له الثواب والأجر{[4566]} .