وقوله : { وَإنّهُ عَلى ذلكَ لَشَهِيدٌ } يقول تعالى ذكره : إن الله على كنوده رَبّه لشهيد : يعني لشاهد . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن قتادة { وَإنّهُ عَلى ذَلكَ لَشَهِيدٌ } قال : يقول : إن الله على ذلك لشهيد .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { وَإنّهُ عَلى ذَلكَ لَشَهِيدٌ } في بعض القراءات «إنّ اللّهَ عَلى ذلكَ لَشَهِيدٌ » .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان { وَإنّهُ عَلى ذَلكَ لَشَهِيدٌ } يقول : وإن الله عليه شهيد .
وضمير { وإنه على ذلك لشهيد } عائد إلى الإنسان على حسب الظاهر الذي يقتضيه انتساق الضمائر واتحاد المتحدث عنه وهو قول الجمهور .
والشهيد : يطلق على الشاهد وهو الخبر بما يُصدَّق دعوى مدع ، ويطلق على الحاضر ومنه جاء إطلاقه على العالم الذي لا يفوته المعلوم ، ويطلق على المقر لأنه شهد على نفسه .
والشهيد هنا : إما بمعنى المقر كما في « أشْهد أن لا إله إلا الله » .
والمعنى : أن الإنسان مقر بكنوده لربه من حيث لا يقصد الإِقرار ، وذلك في فلتات الأقواللِ مثل قول المشركين في أصنامهم : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللَّه زلفى } [ الزمر : 3 ] . فهذا قول يلزمه اعترافهم بأنهم عبدوا ما لا يستحق أن يُعبد وأشركوا في العبادة مع المستحق للانفراد بها ، أليس هذا كنوداً لربهم ، قال تعالى : { وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين } [ الأنعام : 130 ] ، وفي فلتات الأفعال كما يعرض للمسلم في المعاصي .
والمقصود من هذه الجملة تفظيع كنود الإنسان بأنه معلوم لصاحبه بأدنى تأمل في أقواله وأفعاله . وعلى هذا فحرف { على } متعلق ب« شهيد » واسم الإِشارة مُشار به إلى الكُنود المأخوذ من صفة « كَنود » .
ويجوز أن يكون « شهيد » بمعنى ( عليم ) كقول الحارث بن حِلَّزة في عمرو بن هند :
وهو الربُّ والشهيدُ على يَوْ *** م الخيَارَيْنِ والبَلاء بَلاء
ومتعلق « شهيد » محذوفاً دلّ عليه المقام ، أي عليم بأن الله ربه ، أي بدلائل الربوبية ، ويكون قوله : { على ذلك } بمعنى : مع ذلك ، أي مع ذلك الكُنود هو عليم بأنه ربه مستحق للشكر والطاعة لا للكنود ، فحرف { على } بمعنى ( مع ) كقوله : { وآتى المال على حبه } [ البقرة : 177 ] و { يطعمون الطعام على حبه } [ الإنسان : 8 ] وقول الحارث بن حلزة :
فبقِينَا على الشَّناءَةِ تنْمِ *** نَا حصون وعِرة قعساء
والجار والمجرور في موضع الحال وذلك زيادة في التعجيب من كنود الإِنسان .
وقال ابن عباس والحسن وسفيان : ضمير { وإنَّه } عائد إلى « ربه » ، أي وأن الله على ذلك لشهيد ، والمقصود أن الله يعلم ذلك في نفس الإِنسان ، وهذا تعريض بالتحذير من الحساب عليه . وهذا يسوغه أن الضمير عائد إلى أقرب مذكور ونقل عن مجاهد وقتادة كلا الوجهين فلعلهما رأيا جواز المحملين وهو أولى .
وتقديم { على ذلك } على « شهيد » للاهتمام والتعجيب ومراعاة الفاصلة .
والشديد : البخيل . قال أبو ذؤيب راثياً :
حَذَرْنَاه بأثواب في قَعر هوة *** شَديدٍ على ما ضُمَّ في اللحد جُولُها
والجول بالفتح والضَّم : التراب ، كما يقال للبخيل المتشدد أيضاً قال طرفة :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.