وقوله : { كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ } يقول تعالى ذكره : ما هكذا ينبغي أن تفعلوا ، أن يلهيكم التكاثر أيها الناس ، لو تعلمون أيها الناس علما يقينا أن الله باعثكم يوم القيامة من بعد مماتكم ، من قبوركم ، ما ألهاكم التكاثر عن طاعة الله ربكم ، ولسارعتم إلى عبادته ، والانتهاء إلى أمره ونهيه ، ورفض الدنيا ، إشفاقا على أنفسكم من عقوبته . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ } كنا نحدّث أن علم اليقين أن يعلم أنّ الله باعثه بعد الموت .
أعيد الزجر ثالِثَ مرةٍ زيادة في إبطال ما هم عليه من اللهو عن التدبر في أقوال القرآن لعلهم يقلعون عن انكبابهم على التكاثر مما هم يتكاثرون فيه ولهوهم به عن النظر في دعوة الحق والتوحيد . وحذف مفعول { تعلمون } للوجه الذي تقدم في { كلا سوف تعلمون } وجواب { لو } محذوف .
وجملة : { لو تعلمون علم اليقين } تهويل وإزعاج لأن حذف جواب { لو } يجعل النفوس تذهب في تقديره كلَّ مذهب مُمكن . والمعنى : لو تعلمون علم اليقين لتبيَّن لكم حالٌ مفظع عظيم ، وهي بيان لما في { كلا } من الزجر .
والمضارع في قوله : { لو تعلمون } مراد به زمن الحال . أي لو علمتم الآن علم اليقين لعلمتم أمراً عظيماً . ولفعل الشرط مع { لو } أحوال كثيرة واعتبارات ، فقد يقع بلفظ الماضي وقد يقع بلفظ المضارع وفي كليهما قد يكون استعماله في أصل معناه . وقد يكون منزّلاً منزلةَ غير معناه ، وهو هنا مستعمل في معناه من الحال بدون تنزيل ولا تأويل .
وإضافة { علم } إلى { اليقين } إضافةٌ بيانية فإن اليقين علم ، أي لو علمتم علماً مطابقاً للواقع لبان لكم شنيع ما أنتم فيه ولكن علمهم بأحوالهم جهل مركَّب من أوهام وتخيلات ، وفي هذا نداء عليهم بالتقصير في اكتساب العلم الصحيح . وهذا خطاب للمشركين الذين لا يؤمنون بالجزاء وليس خطاباً للمسلمين لأن المسلمين يعلمون ذلك علم اليقين . واعلم أنَّ هذا المركب هو { علم اليقين } نقل في الاصطلاح العلمي فصار لقباً لحالة من مدركات العقل وقد تقدم بيان ذلك عند تفسير قوله تعالى : { وإنه لحق اليقين } في سورة الحاقة ( 51 ) فارجع إليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.