فليس من شأن الله - سبحانه - أن يغفر لأمثال هؤلاء ، بعدما ضلوا ضلالا بعيدا ، وقطعوا على أنفسهم كل طريق للمغفرة . . وليس من شأن الله - سبحانه - أن يهديهم طريقا إلا طريق جهنم . وقد قطعوا على أنفسهم كذلك كل طريق للهدى ، وأوصدوا في وجوه أنفسهم كل طريق إلا طريق جهنم ، فأبعدوا فيه وأوغلوا ، واستحقوا الخلود المؤبد فيها بإبعادهم في الضلال والكفر والصد والظلم ، بحيث لا يرجى لهم من هذا الإبعاد مآب !
( وكان ذلك على الله يسيرًا ) . .
فهو القاهر فوق عباده . وليس بينه وبين أحد من العباد صهر ولا نسب ، يجعل أخذهم بهذا الجزاء العادل المستحق عليهم عسيرا . وليس لأحد من عباده قوة ولا حيلة تجعل أخذه عسيرا على الله أيضا . .
ولقد كان اليهود - كما كان النصارى - يقولون : ( نحن أبناء الله وأحباؤه ) . وكانوا يقولون : ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودات ) . وكانوا يقولون : نحن شعب الله المختار . . فجاء القرآن لينفي هذا كله . ويضعهم في موضعهم . . عبادا من العباد . . إن أحسنوا أثيبوا ، وإن أساءوا - ولم يستغفروا ويتوبوا - عذبوا . . ( وكان ذلك على الله يسيرًا )
{ إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلاّ طَرِيقَ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً } . .
يعني بذلك جلّ ثناؤه : إنّ الذين جحدوا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، وكفروا بالله بجحود ذلك وظلموا بمقامهم على الكفر ، على علم منهم بظلمهم عباد الله ، وحسدا للعرب ، وبغيا على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ يعني : لم يكن الله ليعفو عن ذنوبهم بتركه عقوبتهم عليها ، ولكنه يفضحهم بها بعقوبته إياهم عليها . وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقا يقول : ولم يكن الله تعالى ذكره ليهدى هؤلاء الذين كفروا وظلموا ، الذين وصفنا صفتهم ، فيوفقهم لطريق من الطرق التي ينالون بها ثواب الله ، ويصلون بلزومهم إياه إلى الجنة ، ولكنه يخذلهم عن ذلك ، حتى يسلكوا طريق جهنم . وإنما كني بذكر الطريق عن الدين وإنما معنى الكلام : لم يكن الله ليوفقهم للإسلام ، ولكنه يخذلهم عنه إلى طريق جهنم ، وهو الكفر ، يعني : حتى يكفروا بالله ورسله ، فيدخلوا جهنم خالدين فيها أبدا ، يقول : مقيمين فيها أبدا . وكانَ ذَلِكَ على اللّهِ يَسِيرا يقول : وكان تخليد هؤلاء الذين وصفت لكم صفتهم في جهنم على الله يسيرا ، لأنه لا يقدر من أراد ذلك به على الامتناع منه ، ولا له أحد يمنعه منه ، ولا يستصعب عليه ما أراد فعله به ، من ذلك ، وكان ذلك على الله يسيرا ، لأن الخلق خلقه ، والأمر أمره .
وقوله تعالى : { ولا ليهديهم طريقاً إلا طريق جهنم } هذه هداية الطرق وليست بالإرشاد على الإطلاق . وباقي الآية بيّن يتضمن تحقير أمر الكفار ، وأنهم لا يباليهم الله بالة كما ورد في الحديث ( يذهب الصالحون الأول فالأول . حتى تبقى حثالة كحثالة التمر لا يباليهم الله بالة{[4385]} ) المعنى : إذ هم كفار في آخر الزمان وعليهم تقوم الساعة .
قوله : { إلا طريق جهنم } استثناء متّصل إن كان الطريق الذي نفي هديهم إليه الطريقَ الحقيقي ، ومنقطع إن أريد بالطريق الأوّل الهدى . وفي هذا الاستثناء تأكيد الشيء بما يشبه ضدّه : لأنّ الكلام مسوق للإنذار ، والاستثناء فيه رائحة إطماع ، ثُمّ إذا سمع المستثنى تبيّن أنّه من قبيل الإنذار . وفيه تهكّم لأنّه استثنى من الطريق المعمول { لِيَهْدِيهم } ، وليس الإقحام بهم في طريق جهنّم بهدي لأنّ الهدي هو إرشاد الضالّ إلى المكان المحبوب .
ولذلك عقّبه بقوله : { وكان ذلك } أي الإقحام بهم في طريق النّار على الله يسيراً إذ لا يعجزه شيء ، وإذ هم عبيده يصرفهم إلى حيث يشاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.