في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ} (18)

ويضرب لهم الأمثلة من واقع البشرية ، ومن وقائع الغابرين المكذبين : ( ولقد كذب الذين من قبلهم ، فكيف كان نكير ? ) . .

والنكير الإنكار وما يتبعه من الآثار ، ولقد أنكر الله ممن كذبوا قبلهم أن يكذبوا . وهو يسألهم : ( فكيف كان نكير ? )وهم يعلمون كيف كان ، فقد كانت آثار الدمار والخراب تصف لهم كيف كان هذا النكير ! وكيف كان ما أعقبه من تدمير !

والأمان الذي ينكره الله على الناس ، هو الأمان الذي يوحي بالغفلة عن الله وقدرته وقدره ، وليس هو الاطمئنان إلى الله ورعايته ورحمته . فهذا غير ذاك . فالمؤمن يطمئن إلى ربه ، ويرجو رحمته وفضله . ولكن هذا لا يقوده إلى الغفلة والنسيان والانغمار في غمرة الأرض ومتاعها ، إنما يدعوه إلى التطلع الدائم ، والحياء من الله ، والحذر من غضبه ، والتوقي من المخبوء في قدره ، مع الإخبات والاطمئنان .

قال الإمام أحمد - بإسناده - عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : " ما رأيت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته . إنما كان يبتسم . وقالت : كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إذا رأى غيما أو ريحا عرف ذلك في وجهه . قالت : يا رسول الله إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر ، وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية . فقال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : " يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب ? قد عذب قوم بالريح . وقد رأى قوم العذاب وقالوا ، هذا عارض ممطرنا "

فهذا هو الإحساس اليقظ الدائم بالله وقدره ، وبما قصه القرآن من هذا في سيره . وهو لا ينافي الاطمئنان إلى رحمة الله وتوقع فضله .

ثم هو إرجاع جميع الأسباب الظاهرة إلى السبب الأول . ورد الأمر بحاله وكليته إلى من بيده الملك وهو على كل شيء قدير . فالخسف والحاصب ، والبراكين والزلازل ، والعواصف ، وسائر القوى الكونية والظواهر الطبيعية ليس في أيدي البشر من أمرها شيء . إنما أمرها إلى الله . وكل ما يذكره البشر عنها فروض يحاولون بها تفسير حدوثها ، ولكنهم لا يتدخلون في أحداثها ، ولا يحمون أنفسهم منها . وكل ما ينشئونه على ظهر الأرض تذهب به رجفة من رجفاتها ، أو إعصار من أعاصيرها ، كما لو كان لعبا من الورق ! فأولى لهم أن يتوجهوا في أمرها إلى خالق هذا الكون ، ومنشئ نواميسه التي تحكم هذه الظواهر ، ومودعه القوى التي يتجلى جانب منها في هذه الأحداث . وأن يتطلعوا إلى السماء - حيث هي رمز للعلو - فيتذكروا الله الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير .

إن الإنسان قوي بالقدر الذي وهبه الله من القوة . عالم بالقدر الذي أعطاه الله من العلم . ولكن هذا الكون الهائل زمامه في يد خالقه ، ونواميسه من صنعه ، وقواه من إمداده . وهذه القوى تسير وفق نواميسه في حدود قدره . وما يصيب الإنسان منها مقدور مرسوم ، وما يعلمه الإنسان منها مقدور معلوم . والوقائع التي تحدث تقف هذا الإنسان بين الحين والحين أمام قوى الكون الهائلة مكتوف اليدين حسيرا ، ليس له إلا أن يتذكر خالق هذه القوى ومروضها ؛ وإلا أن يتطلع إلى عونه ليواجهها ، ويسخر ما هو مقدور له أن يسخره منها .

وحين ينسى هذه الحقيقة ، ويغتر وينخدع بما يقسم الله له من العلم ومن القدرة على تسخير بعض قوى الكون ، فإنه يصبح مخلوقا مسيخا مقطوعا عن العلم الحقيقي الذي يرفع الروح إلى مصدرها الرفيع ؛ ويخلد إلى الأرض في عزلة عن روح الوجود ! بينما العالم المؤمن يركع في مهرجان الوجود الجميل ، ويتصل ببارئ الوجود الجليل . وهو متاع لا يعرفه إلا من ذاق حلاوته حين يكتبها الله له !

على أن قوى الكون الهائلة تلجئ الإنسان إلجاء إلى موقف العجز والتسليم سواء رزق هذه الحلاوة أم حرمها . فهو يكشف ما يكشف ، ويبدع ما يبدع ، ويبلغ من القوة ما يبلغ . ثم يواجه قوى الكون في انكسار الحسير الصغير الهزيل . وقد يستطيع أن يتقي العاصفة أحيانا ولكن العاصفة تمضي في طريقها لا يملك وقفها . ولا يملك أن يقف في طريقها ، وقصارى ما يبلغ إليه جهده وعلمه أن يحتمي من العاصفة وينزوي عنها ! . . أحيانا . . وأحيانا تقتله وتسحقه من وراء جدرانه وبنيانه . وفي البحر تتناوحه الأمواج والأعاصير فإذا أكبر سفائنه كلعبة الصبي في مهب الرياح . أما الزلزال والبركان فهما هما من أول الزمان إلى آخر الزمان ! فليس إلا العمى هو الذي يهيئ لبعض المناكيد أن " الإنسان يقوم وحده " في هذا الوجود ، أو أنه سيد هذا الوجود !

إن الإنسان مستخلف في هذه الأرض بإذن الله . موهوب من القوة والقدرة والعلم ما يشاء الله . والله كالئه وحاميه . والله رازقه و معطيه . ولو تخلت عنه يد الله لحظة لسحقته أقل القوى المسخرة له ، ولأكله الذباب وما هو أصغر من الذباب ولكنه بإذن الله ورعايته مكلوء . ومحفوظ . وكريم . فليعرف من أين يستمد هذا التكريم ، وذلك الفضل العظيم .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ} (18)

{ ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير } إنكاري إذ أهلكتهم

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ} (18)

ولما كان من المعلوم أن المأمور بإبلاغهم {[66979]}وإنذارهم{[66980]} هذا الإنذار{[66981]} صلى الله عليه وسلم{[66982]} في غاية{[66983]} الرحمة لهم والشفقة عليهم{[66984]} فهو بحيث يشق عليه غاية المشقة ما أفهمه هذا الكلام من إهلاكهم أن يصدقوا ، و{[66985]}يحب التأني بهم ، لفت سبحانه الخطاب إليه عاطفاً على ما تقديره : فلقد طال إمهالنا لهم وحلمنا عنهم ، وتعريفنا لهم بعظيم قدرتنا وهم لا يرجعون ، وكثر وعظنا لهم وتصريفنا القول بينهم {[66986]}على ألسنة رسلنا عليهم الصلاة والسلام{[66987]} وهم يتمادون ولا ينتهون ، قوله مصوراً لهم{[66988]} ما توعدهم به في أمر محسوس ، لأن الأمور المشاهدات أروع للإنسان ، لما له من التقيد بالوهم ، مؤكداً للإشارة إلى أن التكذيب مع إقامة البراهين أمر يجب إنكاره ، فلا يكاد يصدق : { ولقد كذب } {[66989]}وطغى وبغى وأعرض وتجبر وتمرد وولى بوجهه{[66990]} {[66991]}وقلبه{[66992]} { الذين } .

ولما كان هذا{[66993]} التكذيب لم يعم الماضين بعض فقال : { من قبلهم } يعني كفار الأمم الماضية .

ولما كان سبحانه قد{[66994]} أملى لهم ثم أخذهم بعد طول الحلم أخذاً بقيت أخباره ، ولم تندرس إلى الآن على تمادي الزمان آثاره ، فكان بحيث يسأل عنه لعظم أحواله ، وشدة زلازله وفظاعة أهواله ، سبب عن ذلك قوله منبهاً على استحضار ذلك العذاب ولو بالسؤال عنه : { فكيف كان نكير * } أي إنكاري عليهم بما أصبتهم به من العذاب ، في تمكن كونه وهول أمره ، فقد جمع إلى التسلية غاية التهديد{[66995]} .


[66979]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[66980]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[66981]:- زيد في الأصل: هو الرسول، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66982]:- زيد في الأصل: كان، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66983]:- زيد في الأصل: الشفقة و، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66984]:- زيد من ظ وم.
[66985]:- زيد من م.
[66986]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[66987]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[66988]:- زيد من ظ وم.
[66989]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[66990]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[66991]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[66992]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[66993]:- سقط من ظ وم.
[66994]:- من ظ وم، وفي الأصل: قدم.
[66995]:- زيد في الأصل: انتهى، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
 
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء - التفسير الميسر [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ} (18)

{ وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ( 18 ) }

ولقد كذَّب الذين كانوا قبل كفار " مكة " ، كقوم نوح وعاد وثمود رسلهم ، فكيف كان إنكاري عليهم ، وتغييري ما بهم من نعمة ، بإنزال العذاب بهم وإهلاكهم ؟