تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلًا أَصۡحَٰبَ ٱلۡقَرۡيَةِ إِذۡ جَآءَهَا ٱلۡمُرۡسَلُونَ} (13)

{ 13 - 30 } { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ } إلى آخر القصة .

أي : واضرب لهؤلاء المكذبين برسالتك ، الرادين لدعوتك ، مثلا يعتبرون به ، ويكون لهم موعظة إن وفقوا للخير ، وذلك المثل : أصحاب القرية ، وما جرى منهم من التكذيب لرسل اللّه ، وما جرى عليهم من عقوبته ونكاله .

وتعيين تلك القرية ، لو كان فيه فائدة ، لعينها اللّه ، فالتعرض لذلك وما أشبهه من باب التكلف والتكلم بلا علم ، ولهذا إذا تكلم أحد في مثل هذا تجد عنده من الخبط والخلط والاختلاف الذي لا يستقر له قرار ، ما تعرف به أن طريق العلم الصحيح ، الوقوف مع الحقائق ، وترك التعرض لما لا فائدة فيه ، وبذلك تزكو النفس ، ويزيد العلم ، من حيث يظن الجاهل أن زيادته بذكر الأقوال التي لا دليل عليها ، ولا حجة عليها ولا يحصل منها من الفائدة إلا تشويش الذهن واعتياد الأمور المشكوك فيها .

والشاهد أن هذه القرية جعلها اللّه مثلا للمخاطبين . { إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ } من اللّه تعالى يأمرونهم بعبادة اللّه وحده ، وإخلاص الدين له ، وينهونهم عن الشرك والمعاصي .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلًا أَصۡحَٰبَ ٱلۡقَرۡيَةِ إِذۡ جَآءَهَا ٱلۡمُرۡسَلُونَ} (13)

قوله تعالى : { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ( 13 ) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ ( 14 ) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ( 15 ) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ( 16 ) وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ ( 17 ) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 18 ) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ } .

{ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً } أي مثل لهم . وذلك من قولهم : عندي من هذا الضرب كذا . أي من هذا المثال . وهذه الأشياء على ضرب واحد ، أي على مثال واحد .

والمعنى : ومَثِّلْ لهؤلاء المشركين يا محمد مثلا مثل أصحاب القرية . و { أَصْحَابَ } ، منصوب على البدل من قوله : { مثلاً } أو منصوب على أنه مفعول ثان للفعل اضرب{[3889]} والمراد بالقرية : أنطاكية ؛ فقد كان فيها ملك ظالم مشرك ؛ إذ كان يعبد الأصنام فبعث الله إليه ثلاثة من الرسل فكذبهم هو وقومه المشركون . ومن هؤلاء الرسل اثنان أرسلهما الله إلى أهل أنطاكية فكذبوهما { فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } أي قوّيناهما وشددنا أزرهما برسول ثالث أرسلناه إليهم { فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ } قال المرسلون لأهل أنطاكية : أرسلنا الله إليكم لهدايتكم ، ولإبلاغكم دعوة ربكم ، دعوة الحق والتوحيد . لكن المشركين بادروهم بالجحود والتكذيب ؛ إذ { قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا } كيف نؤمن لكم وأنتم بشر كالبشر ، ليس لكم مزية علينا تقتضي اختصاصكم بما تزعمونه من النبوة { وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ } لم ينزل الله من وحي على أحد من الناس . ويفهم من ذلك إقرارهم بالألوهية ، وإن كانوا ينكرون الرسالة ويكذبون النبيين ويعبدون الأصنام لتقربهم إلى الله زلفى { إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ } أي ما أنتم إلا كَذَبَة فيما تدعونه وتزعمونه من النبوة .


[3889]:البيان لابن الأنباري ج 2 ص 292