فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلًا أَصۡحَٰبَ ٱلۡقَرۡيَةِ إِذۡ جَآءَهَا ٱلۡمُرۡسَلُونَ} (13)

{ وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ } قد تقدم الكلام على نظير هذا في البقرة والنمل ، والمعنى اضرب لأجلهم مثلا أو اضرب لأجل نفسك أصحاب القرية مثلا ، أي مثلهم عند نفسك بأصحاب القرية ؛ فعلى الأول : لما قال تعالى : { إنك لمن المرسلين } وقال : { لتنذر قوما } قال قل لهم : ما أنا بدعا من الرسل ، فإن قبلي بقليل جاء أصحاب القرية المرسلون وأنذروهم بما أنذرتكم وذكروا التوحيد وخوفوا بالقيامة وبشروا بنعيم دار المقامة ، وعلى الثاني لما قال : إن الإنذار لا ينفع من أضله الله : وكتب عليه أنه لا يؤمن قال للنبي صلى الله عليه وسلم : اضرب لنفسك ولقومك مثلا ، أي مثل لهم عند نفسك مثلا بأصحاب القرية ، حيث جاءهم ثلاثة رسل ولم يؤمنوا وصبر الرسل على الإيذاء وأنت جئت إليهم واحدا ، وقومك أكثر من قوم الثلاثة فإنهم جاؤوا إلى أهل قرية وأنت بعثتك إلى الناس كافة :

والمعنى : واضرب لهم مثلا مثل أصحاب القرية ، أي اذكر لهم قصة عجيبة قصة أصحاب القرية فترك المثل وأقيم أصحاب القرية مقامه في الإعراب . وقيل لا حاجة إلى الإضمار ، بل المعنى اجعل أصحاب القرية لهم مثلا على أن يكون مثلا .

وأصحاب القرية مفعولين ل ( اضرب ) أو يكون أصحاب القرية بدلا من { مثلا } وقد قدمنا الكلام على المفعول الأول من هذين المفعولين ؛ هل هو { مثلا } و { أصحاب القرية } وقد قيل : إن ضرب المثل يستعمل تارة في تطبيق حالة غريبة بحالة أخرى مثلها ، كما في قوله : { ضرب الله مثلا للذين كفرو امرأة نوح وامرأة لوط } ويستعمل أخرى في ذكر حالة غريبة وبيانها للناس من غير قصد إلى تطبيقها بنظيرة لها كما في قوله : { وضربنا لكم الأمثال } أي بينا لكم أحوالا بديعة غريبة هي في الغرابة كالأمثال .

فقوله سبحانه هنا { واضرب لهم مثلا } يصح اعتبار الأمرين فيه . قال القرطبي : هذه القرية هي أنطاكية في قول جميع المفسرين ، وبه قال ابن عباس وبريدة ، وهي ذات أعين وسور عظيم من صخر داخله خمسة أجبل ، دورها اثنى عشر ميلا ، والعواصم بلاد قصبتها أنطاكية ، وهي بأرض الروم .

{ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ } بدل اشتمال من أصحاب القرية ، والمرسلون هم أصحاب عيسى بعثهم إلى أهل أنطاكية للدعاء إلى الله وكانوا عبدة أوثان ، وإنما أضاف سبحانه الإرسال إلى نفسه في قوله :

{ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ }