اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلًا أَصۡحَٰبَ ٱلۡقَرۡيَةِ إِذۡ جَآءَهَا ٱلۡمُرۡسَلُونَ} (13)

قوله تعالى : { واضرب لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ القرية } تقدم الكلام على نظيره في البقرةِ{[45798]} والنحل{[45799]} . والمعنى واضرب لأجلهم مثلاً ، أو اضرب{[45800]} لأجل نفسك أصحاب القرية لهم مثلاً أي مثلهم عند نفسك بأصحاب القرية . فعلى الأول لمَّا قال تعالى : { إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين } [ يس : 3 ] وقال : { لِتُنذِرَ قَوْماً } [ يس : 6 ] قال : قل لهم ما أنا بدعاً من الرسل بل ( قبلي ){[45801]} بقليل جاء أصحاب القرية مرسلون وأنذروهم بما أنذرتكم وذكروا التوحيد وخوفوا بالقيامة وبشروا بنعيم دار الإقامة . وعلى الثاني لما قال تعالى : إن الإنذار لا ينفع من أضله اللَّهُ وكتب عليه أنه لا يؤمن قال للنبي عليه ( الصلاة و ) السلام : فلا بأس واضرب لنفسك ولقومك «مثلاً »{[45802]} أي مَثِّلْ لهم عند نفسك مثلاً بأصحاب القرية ، حيث جاءهم ثلاثةُ رُسُل فم يؤمنوا ، وصبر الرسل على القتل والإيذاء وأنت جئتهم واحداً وقومك أكثر من قوم الثلاثة ، فإنهم جاءوا قريةً وأنت بعثت إلى العالم .

قوله : { أَصْحَابَ القرية } أي واضرب لهم مثلاً ( مَثَلَ ){[45803]} أصحاب القرية ، فترك «المَثَلَ » وأقيم «الأصحاب » مُقامه في الإعراب كقوله : { واسأل القرية } [ يوسف : 82 ] .

قال الزمخشري{[45804]} : وقيل : لا حاجة إلى الإضمار بل المعنى اجعل أصحاب القرية لهم مثلاً أو مثل أصحاب القرية بهم{[45805]} . قال المفسرون : المراد بالقرية أنْطَاكية .

قوله : { إِذْ جَآءَهَا } بدل اشتمال . قال الزمخشري : «إذْ » منصوبة لأنها بدل من أصْحَابِ القَرْيَة كأنه تعالى قال : واضْرِب لهم وقت مجيء المرسلين ومثل ذلك الوقت بوقتِ مُحَمَّد{[45806]} .

وقيل : منصوب بقوله : «اضْرِبْ »{[45807]} أي اجعل الضرب كأنه حين مجيئهم وواقع فيه . والمرسلون من قوم عيسى وهم أقرب مُرْسَلٍ أُرْسل إلى قوم إلى زمان محمد - عليه ( الصلاة و ) السلام- وهم ثلاثة .


[45798]:عند قوله تعالى: {إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة} الآية 26 من سورة البقرة.
[45799]:عند : {ضرب الله مثلا عبدا مملوكا} و {ضرب الله مثلا رجلين} الآيتين 74 و 75 من سورة النحل.
[45800]:الرازي 26/50: ف "مثلا" مفعول أول و "أصحاب القرية" مفعول ثان.. ويجوز أن يكون "أصحاب القرية" بدلا من "مثلا" والتقدير واضرب لهم مثلا مثل أصحاب. انظر: البيان 2/92 والتبيان 1079والمشكل 2/23 والمختار الأول.
[45801]:سقط من "ب".
[45802]:كذلك.
[45803]:سقط كذلك من "ب".
[45804]:الكشاف 3/317، فيكون الثاني بيانا أو بدلا من الأول. وهذا الرأي قاله مكي أيضا في مشكل إعراب القرآن 2/223 والأنباري في البيان 2/292 وأبو البقاء في التبيان 1079 ومفهوم من كلام الزجاج في معاني القرآن 4/281 كما ذكره أبو جعفر النحاس في الإعراب 4/387 وعلى هذا "ضرب" بمعنى ذكر.
[45805]:رجحه مكي قال: هو الأحسن انظر: مشكل إعراب القرآن له 2/223 والدر المصون 4/499 والرازي 26/50 والبيان 2/292 والتبيان 1079.
[45806]:الكشاف 3/317.
[45807]:هو قول الرازي في المرجع السابق 26/50.