تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَا تَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُعَذَّبِينَ} (213)

{ 213 - 216 } { فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ * وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ } .

ينهى تعالى رسوله أصلا وأمته أسوة له في ذلك ، عن دعاء غير الله ، من جميع المخلوقين ، وأن ذلك موجب للعذاب الدائم ، والعقاب السرمدي ، لكونه [ ص 599 ] شركا ، { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ } والنهي عن الشيء ، أمر بضده ، فالنهي عن الشرك ، أمر بإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له ، محبة ، وخوفا ، ورجاء ، وذلا وإنابة إليه في جميع الأوقات .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَا تَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُعَذَّبِينَ} (213)

لما وجه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قوله : { نَزَل به الروح الأمين على قلبك } [ الشعراء : 193 ، 194 ] إلى هنا ، في آيات أشادت بنزول القرآن من عند الله تعالى وحققت صدقه بأنه مذكور في كتب الأنبياء السالفين وشهد به علماء بني إسرائيل ، وأنحى على المشركين بإبطال ما ألصقوه بالقرآن من بهتانهم ، لا جرم اقتضى ذلك ثبوت ما جاء به القرآن . وأصل ذلك هو إبطال دين الشرك الذي تقلدته قريش وغيرها وناضلت عليه بالأكاذيب ؛ فناسب أن يتفرع عليه النهي عن الإشراك بالله والتحذير منه .

فقوله : { فلا تدع مع الله إلها آخر } خطاب لغير معيّن فيعمّ كل من يسمع هذا الكلام ، ويجوز أن يكون الخطاب موجهاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه المبلغ عن الله تعالى فللاهتمام بهذا النهي وقع توجيهه إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع تحقق أنه منته عن ذلك ، فتعين أن يكون النهي للذين هم متلبسون بالإشراك ، ونظير هذا قوله تعالى : { ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت لَيَحْبَطَنَّ عملُك ولتكونَنّ من الخاسرين } [ الزمر : 65 ] . والمقصود من مثل ذلك الخطاب غيره ممن يبلغه الخطاب .

فالمعنى : فلا تدعوا مع الله إلهاً آخر فتكونوا من المعذبين . وفي هذا تعريض بالمشركين أنهم سيعذبون للعلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه غير مشركين .