تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَفَعَلۡتَ فَعۡلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلۡتَ وَأَنتَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (19)

وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ } وهي قتل موسى للقبطي ، حين استغاثه الذي من شيعته ، على الذي من عدوه { فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ } الآية .

{ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ } أي : وأنت إذ ذاك طريقك طريقنا ، وسبيلك سبيلنا ، في الكفر ، فأقر على نفسه بالكفر ، من حيث لا يدري .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَفَعَلۡتَ فَعۡلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلۡتَ وَأَنتَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (19)

ثم قرره على قتل القبطي بقوله { وفعلت فعلتك } والفَعلة بفتح الفاء المرة من الفعل ، وقرأ الشعبي «فِعلتك » بكسر الفاء وهي هيئة الفعل ، وقوله { وأنت من الكافرين } ، يحتمل ثلاثة أوجه : أحدها أن يريد وقتلت القبطي { وأنت } في قتلك إياه { من الكافرين } إذ هو نفس لا يحل قتله قاله الضحاك ، أو يريد { وأنت من الكافرين } بنعمتي في قتلك إياه قاله ابن زيد ، وهذان بمعنى واحد في حق لفظ الكفر ، وإنما اختلفا باشتراك لفظ الكفر والثاني أن يكون بمعنى الهزء على هذا الدين فأنت من الكافرين بزعمك قاله السدي ، والثالث هو قول الحسن أن يريد { وأنت من الكافرين } الآن يعني فرعون بالعقيدة التي كان يبثها فيكون الكلام مقطوعاً من قوله { وفعلت فعلتك } وإنما هو إخبار مبتدأ كان من الكافرين وهذا الثاني أيضاً يحتمل أن يريد به كفر النعمة .

قال القاضي أبو محمد : وكان بين خروج موسى عليه السلام حين قتل القبطي وبين رجوعه نبياً إلى فرعون إحدى عشر سنة غير أشهر .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَفَعَلۡتَ فَعۡلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلۡتَ وَأَنتَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (19)

الفَعْلة : المرة الواحدة من الفِعل ، وأراد بها الحاصل بالمصدر كما اقتضته إضافتها إلى ضمير المخاطب ، وأراد بالفعلة قتلَه القبطي ، قيل هو خَبَّاز فرعون . وعبر عنها بالموصول لعلم موسى بها ، وفي ذلك تهويل للفعلة يكنى به عن تذكيره بما يوجب توبيخه .

وفي العدول عن ذكر فَعلة معيَّنة إلى ذكرها مبهمة مضافةً إلى ضميره ثم وصفها بما لا يزيد على معنى الموصوف تهويلٌ مرادٌ به التفظيع وأنها مشتهرة معلومة مع تحقيق إلصاق تبعتها به حتى لا يجد تنصلاً منها .

وجملة : { وأنت من الكافرين } حال من ضمير { فعلت } . والمراد به كفر نعمة فرعون من حيث اعتدى على أحد خاصّته وموالي آله ، وكان ذلك انتصاراً لرجل من بني إسرائيل الذين يعُدُّونهم عبيدَ فرعون وعبيدَ قومه ، فجَعل فرعونُ انتصارَ موسى لرجل من عشيرته كفراناً لنعمة فرعون لأنه يرى واجب موسى أن يعُدّ نفسه من قوم فرعون فلا ينتصر لإسرائيلي ، وفي هذا إعمال أحكام التبني وإهمال أحكام النسب وهو قلبُ حقائق وفسادُ وضع . قال تعالى : { وما جَعل أدعياءَكم أبناءَكم ذلكم قولُكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل } [ الأحزاب : 4 ] . وليس المراد الكفر بديانة فرعون لأن موسى لم يكن يوم قتل القبطي متظاهراً بأنه على خلاف دينهم وإن كان في باطنه كذلك لأن الأنبياء معصومون من الكفر قبل النبوءة وبعدها .

ويجوز أن تكون جملة : { وأنت من الكافرين } عطفاً على الجُمل التي قبلها التي هي توبيخ ولوم ، فوبخه على تقدم رعيه تربيتَهم إياه فيما مضى ، ثم وبّخه على كونه كافراً بدينهم في الحال ، لأن قوله : { من الكافرين } حقيقة في الحال إذ هو اسم فاعل واسم الفاعل حقيقة في الحال .

ويجوز أن يكونَ المعنى : وأنت حينئذ من الكافرين بديننا ، استناداً منه إلى ما بدا من قرائنَ دلّته على استخفاف موسى بدينهم فيما مضى لأن دينهم يقتضي الإخلاص لفرعون وإهانةَ من يهينهم فرعون . ولعل هذا هو السبب في عزم فرعون على أن يقتصّ من موسى للقبطي لأن الاعتداء عليه كان مصحوباً باستخفاف بفرعون وقومه .

ويفيد الكلام بحذافره تعجباً من انتصاب موسى منصب المرشد مع ما اقترفه من النقائص في نظر فرعون المنافية لدعوى كونه رسولاً من الربّ .