تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ} (5)

ولهذا فصل الله تعالى العاملين ، ووصف أعمالهم ، فقال : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى } [ أي ] ما أمر به من العبادات المالية ، كالزكوات ، والكفارات والنفقات ، والصدقات ، والإنفاق في وجوه الخير ، والعبادات البدنية كالصلاة ، والصوم ونحوهما .

والمركبة منهما ، كالحج والعمرة [ ونحوهما ] { وَاتَّقَى } ما نهي عنه ، من المحرمات والمعاصي ، على اختلاف أجناسها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ} (5)

ثم قسم تعالى الساعين فذكر أن من أعطى وظاهر ذلك إعطاء المال ، وهي أيضاً تتناول إعطاء الحق في كل شيء ، قول وفعل ، وكذلك البخل المذكور بعد أن يكون بالإيمان وغيره من الأقوال التي حق الشريعة أن لا يبخل بها ويروى أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق ، وذلك أنه كان يعتق ضعفة العبيد الذين أسلموا وكان ينفق في رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله ، وكان الكفار بضد ذلك{[11857]} ، وهذا قول من قال السورة كلها مكية ، قال عبد الله بن أبي أوفى : نزلت هذه السورة في أبي بكر الصديق وأبي سفيان بن حرب ، وقال مقاتل : مر أبو بكر على أبي سفيان وهو يعذب بلالاً فاشتراه منه ، وقال السدي : نزلت هذه الآية بسبب أبي الدحداح الأنصاري ، وذلك أن نخلة لبعض المنافقين كانت مطلة على دار امرأة من المسلمين لها أيتام فكانت التمر تسقط عليهم فيأكلونه فمنعهم المنافق من ذلك ، واشتد عليهم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بعنيها بنخلة في الجنة » ، فقال : لا أفعل ، فبلغ ذلك أبا الدحداح فذهب إليه واشترى منه النخلة بحائط له ، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله : أنا أشتري النخلة في الجنة بهذه ، ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر على الحائط الذي أعطى أبو الدحداح وقد تعلقت أقناؤه{[11858]} فيقول :

«وكم قنو معلق لأبي الدحداح في الجنة{[11859]} » ، وفي البخاري أن هذا اللفظ كان رسول الله صلى الله عيله وسلم يقوله في الأقناء التي كان أبو الدحداح يعلقها في المسجد صدقة ، وهذا كله قول من يقول بعض السور مدني


[11857]:أخرجه ابن جرير، وابن عساكر، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، قال: كان أبو بكر يعتق على الإسلام بمكة، فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن، فقال له أبوه: أي بني أراك تعتق أناسا ضعفاء، فلو أنك تعتق رجالا جلدا يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك؟ قال: أي أبت إنما أريد ما عند الله، قال: فحدثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية نزلت فيه (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى).
[11858]:الأقناء: جمع قنو، وهو العذق بما فيه من الرطب.
[11859]:ذكره ابن أبي حاتم والواحدي في "أسباب النزول" من طريق حفص بن عمر العدني، عن الحكم ابن أبان العدني، عن عكرمة عن ابن عباس، وهو حديث ضعيف لضعف حفص بن عمر، أما الحكم بن أبان فصدوق عابد، ولكن له أوهام، قال ذلك الحافظ ابن حجر في "التقريب" وذكر ابن كثير هذا الحديث في تفسيره ثم قال: "وهو حديث غريب جدا"، وأورده السيوطي في الدر المنثور بسند ضعيف، أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس، وقال الخازن: والصحيح أن الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ} (5)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم قال : { فأما من أعطى } المال في حق الله عز وجل { واتقى } ونزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق ، رحمة الله عليه...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

فأما من أعطى واتقى منكم أيها الناس في سبيل الله ، ومن أمَرهُ الله بإعطائه من ماله ، وما وهب له من فضله ، واتقى الله واجتنب محارمه . ...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

ثم قسم تعالى الساعين فذكر أن من أعطى، وظاهر ذلك إعطاء المال ، وهي أيضاً تتناول إعطاء الحق في كل شيء ، قول وفعل ، وكذلك البخل المذكور بعد أن يكون بالإيمان وغيره من الأقوال التي حق الشريعة أن لا يبخل بها...

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

{ مَنْ أَعْطَى } : حَقِيقَةُ الْعَطَاءِ هِيَ الْمُنَاوَلَةُ ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ وَالِاسْتِعْمَالِ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ نَفْعٍ أَوْ ضَرٍّ يَصِلُ من الْغَيْرِ إلَى الْغَيْرِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْأَمَدِ الْأَقْصَى وَغَيْرِهِ .

قَوْله تَعَالَى : { وَاتَّقَى } : وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي حَقِيقَةِ التَّقْوَى ، وَأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ حِجَابٍ مَعْنَوِيٍّ يَتَّخِذُهُ الْعَبْدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِقَابِ ، كَمَا أَنَّ الْحِجَابَ الْمَحْسُوسَ يَتَّخِذُهُ الْعَبْدُ مَانِعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَكْرَهُهُ ...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

وفي قوله { أعطى } وجهان :

( أحدهما ) أن يكون المراد إنفاق المال في جميع وجوه الخير من عتق الرقاب وفك الأسارى وتقوية المسلمين على عدوهم كما كان يفعله أبو بكر سواء كان ذلك واجبا أو نفلا ...

( وثانيهما ) : أن قوله : { أعطى } يتناول إعطاء حقوق المال وإعطاء حقوق النفس في طاعة الله تعالى ، يقال : فلان أعطى الطاعة وأعطى السعة.

وقوله : { واتقى } فهو إشارة إلى الاحتراز عن كل مالا ينبغي ، وقد ذكرنا أنه هل من شرط كونه متقيا أن يكون محترزا عن الصغائر أم لا في تفسير قوله تعالى : { هدى للمتقين } . ...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

هذه حقيقة . ولكن هناك حقيقة أخرى . حقيقة إجمالية تضم أشتات البشر جميعا . وتضم هذه العوالم المتباينة كلها . تضمها في حزمتين اثنتين . وفي صفين متقابلين . تحت رايتين عامتين : ( من أعطى واتقى وصدق بالحسنى ) . . و ( من بخل واستغنى وكذب بالحسنى ) . .

( فأما من أعطى واتقى ، وصدق بالحسنى . . فسنيسره لليسرى ) . .

من أعطى نفسه وماله . واتقى غضب الله وعذابه .

أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :

وقد أطلق أعطى ليعم كل عطاء من ماله وجاهه وجهده حتى الكلمة الطيبة ، بل حتى طلاقة الوجه ...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

المقصود من الإعطاء في قوله : «أعطى » هو الإنفاق في سبيل اللّه ومساعدة المحتاجين . والتأكيد على « التقوى » عقب الإعطاء قد يشير إلى ضرورة تنزيه النية وإخلاص القصد عند الإنفاق ، وإلى الحصول على المال من طريق مشروع ، وإنفاقه في طريق مشروع أيضاً ، وإلى خلوه من المنّ والأذى . . . فكلّ هذه الصفات تجتمع في عنوان التقوى . قال بعض إن «أعطى » إشارة إلى العبادات المالية و«اتقى » إشارة إلى سائر العبادات العملية من أداء الواجبات وترك المحرمات ، غير أن التّفسير الأوّل أنسب مع ظاهر الآية ، ومع سبب نزولها . ...