تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{كَلَّا وَٱلۡقَمَرِ} (32)

{ 32 - 56 } { كَلَّا وَالْقَمَرِ * وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ * إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيرًا لِلْبَشَرِ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ * كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ * فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ * بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً * كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ * كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ }

{ كَلَّا } هنا بمعنى : حقا ، أو بمعنى { ألا } الاستفتاحية ، فأقسم تعالى بالقمر ،

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{كَلَّا وَٱلۡقَمَرِ} (32)

ثم قال : { كَلا وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } أي : ولى ،

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{كَلَّا وَٱلۡقَمَرِ} (32)

{ كلاّ } .

{ كلاّ } حرف ردع وإبطال . والغالب أن يقع بعد كلام من متكلم واحد أوْ من متكلم وسامععٍ مثل قوله تعالى : { قال أصحاب موسى إنا لمُدْرَكون قال كلا إن معي ربي سيهدين } [ الشعراء : 61 ، 62 ] فيفيد الردع عما تضمنه الكلام المحكي قبله . ومنه قوله تعالى : { كلا سنكتب ما يقول } في سورة مريم ( 79 ) ، ويجوز تقديمه على الكلام إذا أريد التعجيلُ بالردع والتشويقُ إلى سماع ما بعده ، وهو هنا محتمل لأن يكون إبطالاً لما قبله من قولهم : فإذا أراد الله بهذا مثلاً ، فيكون ما بينهما اعتراضاً ويكون قوله والقمرِ } ابتداء كلام فيحسن الوقف على { كلاّ } . ويحتمل أن يكون حرف إبطال مقدماً على الكلام الذي بعده من قوله : { إنها لإِحدى الكبر نذيراً للبشر } تقديم اهتمام لإِبطال ما يجيء بعده من مضمون قوله : { نذيراً للبشر } ، أي من حقهم أن ينتذروا بها فلم ينتذر أكثرهم على نحو معنى قوله : { وأنَّى له الذكرى } [ الفجر : 23 ] فيحسن أن توصل في القراءة بما بعدها .

الواو المفتتح بها هذه الجملة واو القسم ، وهذا القسم يجوز أن يكون تذييلاً لما قبله مؤكِّداً لما أفادته { كَلاّ } من الإِنكار والإِبطال لمقالتهم في شأن عدة خزنة النار ، فتكون جملة { إِنها لإِحدى الكبر } تعليلاً للإِنكار الذي أفادته { كَلاّ } ويكون ضمير { إنها } عائداً إلى { سقَر } [ المدثر : 26 ] ، أي هي جديرة بأن يتذكر بها فلذلك كان من لم يتذكر بها حقيقاً بالإِنكار عليه وردعه .

وجملة القسم على هذا الوجه معترضة بين الجملة وتعليلها ، ويحتمل أن يكون القسم صدراً للكلام الذي بعده وجملة { إنها لإِحدى الكبر } جواب القسم والضمير راجع إلى { سقَر } ، أي أن سقر لأعظم الأهوال ، فلا تجزي في معاد ضمير إنها } جميع الاحتمالات التي جرت في ضمير { وما هي إلاّ ذكرى } [ المدثر : 31 ] .

وهذه ثلاثة أيمان لزيادة التأكيد فإن التأكيد اللفظي إذا أكد بالتكرار يكرر ثلاث مرات غالباً ، أقسم بمخلوق عظيم ، وبحالين عظيمين من آثار قدرة الله تعالى .

ومناسبة القَسَم ب { القمر } و{ الليل إذ أدبر } و{ الصبحُ إذا أسفر } أن هذه الثلاثة تظهر بها أنوار في خلال الظلام فناسبت حالي الهدى والضلال من قوله : { كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء } [ المدثر : 31 ] ومن قوله : { وما هي إلاّ ذكرى للبشر } [ المدثر : 31 ] ففي هذا القسَم تلويح إلى تمثيل حال الفريقين من الناس عند نزول القرآن بحال اختراق النور في الظلمة .