تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{رَبِّ مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ} (122)

رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ

أي : وصدقنا بما بعث به موسى من الآيات البينات .

فقال له فرعون : إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ .

فَأَلْقَى موسى عَصَاهُ في الأرض فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ أي : حية ظاهرة تسعى ، وهم يشاهدونها .

وَنزعَ يَدَهُ من جيبه فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ من غير سوء ، فهاتان آيتان كبيرتان دالتان على صحة ما جاء به موسى وصدقه ، وأنه رسول رب العالمين ، ولكن الذين لا يؤمنون لو جاءتهم كل آية لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم .

فلهذا قَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ حين بهرهم ما رأوا من الآيات ، ولم يؤمنوا ، وطلبوا لها التأويلات الفاسدة : إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ أي : ماهر في سحره .

ثم خوفوا ضعفاء الأحلام وسفهاء العقول ، بأنه يُرِيدُ موسى بفعله هذا أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ أي : يريد أن يجليكم عن أوطانكم فَمَاذَا تَأْمُرُونَ أي : إنهم تشاوروا فيما بينهم ما يفعلون بموسى ، وما يندفع به ضرره بزعمهم عنهم ، فإن ما جاء به إن لم يقابل بما يبطله ويدحضه ، وإلا دخل في عقول أكثر الناس .

فحينئذ انعقد رأيهم إلى أن قالوا لفرعون : أَرْجِهْ وَأَخَاهُ أي : احبسهما وأمهلهما ، وابعث في المدائن أناسا يحشرون أهل المملكة ويأتون بكل سحار عليم ، أي : يجيئون بالسحرة المهرة ، ليقابلوا ما جاء به موسى ، فقالوا : يا موسى اجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى .

قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى * فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى .

وقال هنا : وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ طالبين منه الجزاء إن غلبوا ف قَالُوا إِنَّ لَنَا لأجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ؟

ف قَالَ فرعون : نَعَمْ لكم أجر وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ فوعدهم الأجر والتقريب ، وعلو المنزلة عنده ، ليجتهدوا ويبذلوا وسعهم وطاقتهم في مغالبة موسى .

فلما حضروا مع موسى بحضرة الخلق العظيم قَالُوا على وجه التألي وعدم المبالاة بما جاء به موسى : يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ ما معك وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ .

ف قَالَ موسى : أَلْقُوا لأجل أن يرى الناس ما معهم وما مع موسى .

فَلَمَّا أَلْقَوْا حبالهم وعصيهم ، إذا هي من سحرهم كأنها حيات تسعى ، ف سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ لم يوجد له نظير من السحر .

وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حية تسعى ، ف تَلْقَفُ جميع مَا يَأْفِكُونَ أي : يكذبون به ويموهون .

فَوَقَعَ الْحَقُّ أي : تبين وظهر ، واستعلن في ذلك المجمع ، وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .

فَغُلِبُوا هُنَالِكَ أي : في ذلك المقام وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ أي : حقيرين قد اضمحل باطلهم ، وتلاشى سحرهم ، ولم يحصل لهم المقصود الذي ظنوا حصوله .

وأعظم من تبين له الحق العظيم أهل الصنف والسحر ، الذين يعرفون من أنواع السحر وجزئياته ، ما لا يعرفه غيرهم ، فعرفوا أن هذه آية عظيمة من آيات اللّه لا يدان لأحد بها .

وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ

أي : وصدقنا بما بعث به موسى من الآيات البينات .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{رَبِّ مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ} (122)

وقالوا : { آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ . رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ }

وقال محمد بن إسحاق : جعلت تبتلع{[12015]} تلك الحبال والعصى واحدة ، واحدة حتى ما يُرَى بالوادي قليل ولا كثير مما ألقوا ، ثم أخذها موسى فإذا هي عصا في يده كما كانت ، ووقع السحرة سجدا { قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ . رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ } لو كان هذا ساحرا ما غُلبنا .

وقال القاسم بن أبي بَزَّة : أوحى الله إليه أن ألق عصاك ، فألقى عصاه ، فإذا هي ثعبان فاغرٌ فَاهُ ، يبتلع{[12016]} حبالهم وعصيهم . فألقي السحرة عند ذلك سجدا ، فما رفعوا رءوسهم حتى رأوا الجنة والنار وثواب أهلهما .


[12015]:في أ: "تتبع".
[12016]:في م: "يبلع".

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{رَبِّ مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ} (122)

وقوله تعالى : { وألقي السحرة ساجدين } الآيات ، لما رأى السحرة من عظيم القدرة وما تيقنوا به نبوة موسى آمنوا بقلوبهم وانضاف إلى ذلك الاستهوال والاستعظام والفزع من قدرة الله تعالى فخروا سجداً لله تعالى متطارحين وآمنوا نطقاً بألسنتهم ، وتبينهم الرب بذكر موسى وهارون زوال عن ربوبية فرعون وما كان يتوهم فيه الجهال من أنه رب الناس ، وهارون أخو موسى أسن منه بثلاث سنين .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{رَبِّ مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ} (122)

جملة : { قالوا } بدل اشتمال من جملة : { ألقي السحرة } لأن الهوي للسجود اشتمل على ذلك القول ، وهم قصدوا من قولهم ذلك الإعلان بإيمانهم بالله لئلا يظن الناس أنهم سجدوا لفرعون ، إذ كانت عادة القبط السجود لفرعون ، ولذلك وصفوا الله بأنه رب العالمين بالعنوان الذي دَعا به موسى عليه السلام ، ولعلهم لم يكونوا يعرفون اسماً علماً لله تعالى ، إذ لم يكن لله اسم عندهم ، وقد عُلم بذلك أنهم كفروا بالإهية فرعون .

وزادوا هذا القصد بياناً بالإبدال من { رب العالمين } قولّهم { رب موسى وهارون } لئلا يُتوهم المبالغة في وصف فرعون بأنه رب جميع العالمين ، وتعين في تعريف البدل طريق تعريف الإضافة لأنها أخصر طريق ، وأوضحه هنا ، لاسيما إذا لم يكونوا يعرفون اسماً علماً على الذات العلية . وهذا ما يقتضيه تعليم الله اسمه لموسى حين كلمه فقال : { إنني أنا الله } في سورة طه ( 14 ) . وفي سفر الخروج : وقال الله لموسى هكذا تقول لبني إسرائيل ( يهوه ) إله آبائكم } الخ الإصحاح الثالث .

وفصلت جملة : { قال فرعون } لوقوعها في طريق المحاورة .