تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم ذكر كفار مكة: العاص، والنضر، وأبا جهل، وغيرهم، فقال سبحانه: {واتخذوا من دون الله ءالهة}، يعني: اللات، والعزى، ومناة، وهبل، {ليكونوا لهم عزا}، يعني: منعا يمنعونهم من الله عز وجل، نظيرها في يس: {واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون} [يس:74]، يعني: يمنعون.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: واتخذ يا محمد هؤلاء المشركون من قومك آلهة يعبدونها من دون الله، لتكون هؤلاء الآلهة لهم عزّا، يمنعونهم من عذاب الله، ويتخذون عبادتهموها عند الله زُلْفَى...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا} فإن كان على حقيقة العز فهو في القادة منهم والمتبوعين الذين عبدوا تلك الأصنام ليتعززوا بذلك، ولا يذلوا، وتدوم لهم الرئاسة التي كانت لهم في الدنيا. فظنوا أنهم إن آمنوا تذهب تلك الرئاسة والمأكلة عنهم. ويحتمل قوله: {ليكونوا لهم عزا} أي نصرا ومنعة. فإن كان هذا فهو في الرؤساء منهم والأتباع في الدنيا والآخرة. أما ما طمعوا بعبادتهم الأصنام فهو النصر في الآخرة، وهو كقولهم: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر: 3] وقولهم: {هؤلاء شفعاؤنا عند الله} [يونس: 18] طمعوا بعبادتهم الأصنام النصر والشفاعة في الآخرة. وأما في الدنيا فقد ظنوا أن آلهتهم التي اتخذوها، وعبدوها، تنصرهم في الدنيا حين قالوا: {إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء} [هود: 54].
فكيف ما كان فقد رد الله تعالى عليهم ما طمعوا: عزا كان أو نصرا. يقول: {كلا} لأنهم أذلوا أنفسهم لخشب وحنوا ظهورهم لها، فكفى بذلك ذلا وصغارا. وقوله تعالى: {سيكفرون بعبادتهم} قال الحسن: سيكفر عباد الأصنام في الدنيا، ومن عبدوها في الآخرة أنهم ما كفروا وما عبدوها كقوله: {ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين} [الأنعام: 23]. ينكرون في الآخرة أن يكونوا أشركوا فيه غيره، أو عبدوا دونه. وقال غيره من أهل التأويل: سيكفر المعبودون بالعابدين، ويتبرؤون منهم، وهو كقوله: {وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون} [يونس: 28] وقوله: {فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون} [النحل: 86] ونحوه. وقوله تعالى: {ويكونوا عليهم ضدا} قال بعضهم: {ضدا} أي عونا. وتأويل العون هو أن تُلقى الأصنام معهم في النار، فيحرقون فيها معهم، فيزداد لهم عذابا، فكانت عونا على إحراقهم، فعلى هذا يخرج. وقول من يقول: الضد البلاء هو أن يكونوا بلاء عليهم على ما ذكرنا، وهو ما قال: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} الآية [الأنبياء: 98] فإذا صاروا حصبا كانوا بلاء وعونا على إحراقهم. وقال بعضهم: {ويكونون عليهم ضدا} أي قرناء النار؛ يخاصم بعضهم بعضا، ويتبرأ بعضهم من بعض، ويكذب بعضهم بعضا، فذلك كله {ويكونون عليهم ضدا} ما طمعوا منها لأنهم عبدوها في الدنيا رجاء أن يكونوا لهم شفعاء في الآخرة ونصراء، فكانوا لهم على ضد ذلك أعداء. قال ابن عباس: {ويكونون عليهم ضدا} أي حسرة، وكله واحد...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
حكموا بظنهم الفاسدِ أنَّ أصنامَهم تمنعهم، وأنَّ ما عبدوه من دون الله تعالى توجِبُ عبادتهم لهم عند الله تعالى وسيلةً... وهيهات! هيهات أن تكون لمغاليط حسبانهم تحقيق، بل إذا حُشِرُوا وحُشِرَتْ أصنامُهم تَبَرَّأَتْ أصنامُهم منهم، وما أمَّلُوا نفعاً منها عاد ضرراً عليهم. ويقال طلبوا العِزَّ في أماكن الذل، فأخفقوا في الطلب، ونُفُوا عن المراد...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
«اتخذ» افتعل من أخذ لكنه يتضمن إعداداً من المتخذ وليس ذلك في أخذ، والضمير في {اتخذوا} لعبادة الأوثان والآلهة الأصنام، وكل ما عبد من دون الله، ومعنى قوله {عزاً} العموم في النصرة والمنفعة وغير ذلك من وجوه الخير.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما أخبر تعالى بالبعث، وذكر أن هذا الكافر يأتيه على صفة الذل، أتبعه حال المشركين مع معبوداتهم، فقال معجباً منهم عاطفاً على قوله ويقول الإنسان: {واتخذوا} أي الكفار، وجمع لأن نفي العز عن الواحد قد لا يقتضي نفيه عما زاد {من دون الله} وقد تبين لهم أنه الملك الأعلى الذي لا كفوء له {ءالهة ليكونوا لهم} أي الكافرين {عزاً} لينقذوهم من العذاب.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والاتخاذ: جعل الشخص الشيءَ لنفسه، فجعل الاتخاذ هنا الاعتقاد والعبادة. وفي فعل الاتخاذ إيماء إلى أن عقيدتهم في تلك الآلهة شيء مصطلح عليه مختلق لم يأمر الله به كما قال تعالى عن إبراهيم: {قال أتعبدون ما تنحتون} [الصافات: 95]. وفي قوله {من دون الله} إيماء إلى أن الحق يقتضي أن يتّخذوا الله إلهاً، إذ بذلك تقرّر الاعتقاد الحق من مبدأ الخليقة، وعليه دلّت العقول الراجحة. ومعنى {ليكون لهم عزاً} ليكونوا مُعزّين لهم، أي ناصرين، فأخبر عن الآلهة بالمصدر لتصوير اعتقاد المشركين في آلهتهم أنّهم نفس العزّ، أي إن مجرد الانتماء لها يكسبهم عزّاً. وأجرى على الآلهة ضمير العاقل لأنّ المشركين الذين اتخذوهم توهموهم عقلاء مدبرين...
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
في الآيات تقريع وتبكيت للكافرين وإنذار لهم وخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بسبيل التثبيت والتطمين، فلقد اتخذ الكفار آلهة غير الله للانتصار والاعتزاز بهم ولكنهم سوف يتنصلون منهم وينكرون عبادتهم ويقفون منهم موقف الضد والعداء والخلاف والخذلان. ولقد كان من أمرهم أن اختاروا الكفر على الإيمان والشرك على التوحيد، فتركهم الله للشياطين يجرونهم بقوة إلى الارتكاس فيما يزينونه لهم من طرق الغواية والضلال. وليس من موجب للاستعجال في أمرهم، فإذا كان الله تعالى لا يعجل بعذابهم فليس ذلك عن إهمال وإنما هو إمهال يحصي خلاله عليهم أنفاسهم وأعمالهم ليحاسبهم عليها في اليوم الذي يفد فيه المتقون على الله تعالى محاطين بالرعاية والتكريم بينما يساق المجرمون فيه إلى جهنم عطاشا متعبين، وتكون لهم المقام الذي ينزلون والمنهل الذي يردون؛ ولن تنفع الشفاعة يومئذ، إلاّ الذين عاهدوا الله من قبل على الإيمان والخضوع ووفوا بعهده...
آلهة: جمع إله، وهو المعبود والرب الذي أوجدك من عدم، وأمدك من عدم، وتولاك بالتربية، فعطاء الألوهية تكليف وعبادة، وعطاء الربوبية نعم وهبات. إذن: فمن أولى بعبادتك ومن أحق بطاعتك؟ هؤلاء الذين اتخذوا من دون الله آلهة من شمس، أو قمر، أو حجر، أو شجر، بماذا تعبدتكم هذه الآلهة؟ بماذا أمرتكم؟ وعن أي شيء نهتكم؟ وبماذا أنعمت عليك؟ وأين كانت وأنت جنين في بطن أمك؟ إن أباك الذي رباك وأنت صغير وتكفل بكل حاجياتك، وأمك التي حملتك في بطنها وسهرت على راحتك، هما أولى الناس بطاعتك، ولا ينبغي أن تقدم على أمرهما أمراً. أما أن يستحوذ عليك آخرون، ويكون لهم طاعتك وولاؤك دون أبويك فهذا لا يجوز وأنت في ريعان شبابك وأوج قوتك. لذلك، من أصول التربية أن يربي الآباء أبناءهم على السمع والطاعة لهم، ونحذرهم من طاعة الآخرين خاصة غير المؤتمنين على التربية، من العامة في الشارع، أو أصدقاء السوء الذين يجرون الأبناء إلى ما لا تحمد عقباه. والآن نحذر أبناءنا من السير مع شخص مجهول، أو قبول طعام، أو شراب منه. وما نراه في عصرنا الحاضر يغني عن الإطالة في هذه المسألة. هذه إذن مناعة يجب أن تعطى للأبناء كالمناعة ضد الأمراض تماماً. وهكذا الحال فيمن اتخذوا من دون الله آلهة وارتاحوا إلى إله لا تكليف له ولا مشقة في عبادته، إله يتركهم يعبدونه كما يحلو لهم، إنهم أخذوا عطاء الربوبية فتمتعوا بنعمة الله، وتركوا عطاء الألوهية فلم يعبدوه سبحانه وتعالى. ولما كان الإنسان متديناً بطبعه فقد اختار هؤلاء ديناً على وفق أهوائهم وشهواتهم، واتخذوا آلهة لا أمر لها ولا تكليف. ومن ذلك ما نراه من كثير من المثقفين الذين يأخذون دين الله على هواهم، ويطيعون أعداء الله في قضايا بعيدة كل البعد عن دين الله، وهم أصحاب ثقافة وعقول ناضجة، ومع ذلك يقنعون أنفسهم أنهم على دين وأنهم على الحق. ثم يقول تعالى: {ليكونوا لهم عزاً} العز: هو الغلبة والامتناع من الغير، بحيث لا ينال أحد منه شيئاً، يقولون: فلان عزيز أي: لا يغلب. ولنا أن نسأل: ما العزة في عبادة هذه الآلهة؟ وما الذي سيعود عليك من عبادتها؟...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
إن القضية كل القضية، هي أن الضعفاء الذين يعيشون المذلّة، يبحثون في خيالات التخلُّف عما يعطيهم شيئاً من العزة ويمنحهم شيئاً من القوة. ولكنهم سيكتشفون خطأ هذه الأفكار عندما يواجهون هؤلاء الآلهة، في يوم القيامة، في الموقف العصيب أمام الله، إذ سيتبرأ كل هؤلاء منهم بعد أن يحمّلوهم المسؤولية عن جميع أعمالهم، لأنهم أضعف من أن يستطيعوا لهم شيئاً...