وقوله : إنّهُمُ كانُوا قَبْلَ ذلكَ مُترَفِينَ يقول تعالى ذكره : إن هؤلاء الذين وصف صفتهم من أصحاب الشمال ، كانوا قبل أن يصيبهم من عذاب الله ما أصابهم في الدنيا مترفين ، يعني منعمين . كما :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس إنّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلكَ مُتْرَفِينَ يقول : منعمين .
تعليل لما يلقاه أصحاب الشمال من العذاب ، فيتعيّن أن ما تضمنه هذا التعليل كان من أحوال كفرهم وأنه مما له أثر في إلحاق العذاب بهم بقرينة عطف { وكانوا يصرون على الحنث } . . . { وكانوا يقولون } الخ عليه .
فأمّا إصرارهم على الحنث وإنكارهم البعث فلا يخفى تسببه في العذاب لأن الله توعدهم عليه فلم يقلعوا عنه ، وإنما يبقى النظر في قوله : { إنهم كانوا قبل ذلك مترفين } فإن الترف في العيش ليس جريمة في ذاته وكم من مؤمن عاش في ترف ، وليس كل كافر مُترفاً في عيشه ، فلا يكون الترف سبباً مستقلاً في تسبب الجزاء الذي عوملوا به .
فتأويل هذا التعليل : إما بأن يكون الإتراف سبباً باعتبار ضميمة ما ذُكر بعده إليه بأن كان إصرارهم على الحنث وتكذيبهم بالبعث جريمتين عظمتين لأنهما محفوفتان بكفر نعمة الترف التي خولهم الله إياها على نحو قوله تعالى : { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } [ الواقعة : 82 ] فيكون الإِتراف جُزءَ سبب وليس سبباً مستقلاً ، وفي هذا من معنى قوله تعالى : { وذَرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلاً } [ المزمل : 11 ] .
وإما بأن يراد أن الترف في العيش عَلّق قلوبهم بالدنيا واطمأنوا بها فكان ذلك مُملياً على خواطرهم إنكار الحياة الآخرة ، فيكون المراد الترف الذي هذا الإِنكار عارض له وشديد الملازمة له ، فوزانه وزان قوله تعالى : { والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم } [ محمد : 12 ] .
وفسر { مترفين } بمعنى متكبرين عن قبول الحقّ . والمترف : اسم مفعول من أترفه ، أي جعله ذا ترفة بضم التاء وسكون الراء ، أي نعمة واسعة ، وبناؤه للمجهول لعدم الإحاطة بالفاعل الحقيقي للإتراف كشأن الأفعال التي التزم فيها الإسناد المجازي العقلي الذي ليس لمثله حقيقة عقلية ، ولا يقدّر بنحو : أترفه الله ، لأن العرب لم يكونوا يقدّرون ذلك فهذا من باب : قال قائل ، وسأل سائل .
وإنما جعل أهل الشمال مترَفين لأنهم لا يخلو واحد منهم عن ترف ولو في بعض أحواله وأزمانه من نعم الأكل والشرب والنساء والخمر ، وكل ذلك جدير بالشكر لواهبه ، وهم قد لابسوا ذلك بالإشراك في جميع أحوالهم ، أو لأنهم لما قصروا انظارهم على التفكير في العيشة العاجلة صرفهم ذلك عن النظر والاستدلال على صحة ما يدعوهم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا وجه جعل الترف في الدنيا من أسباب جزائهم الجزاء المذكور .
والإِشارة في قوله : { قبل ذلك } إلى { سموم وحميم وظل من يحموم } [ الواقعة : 42 ، 43 ] بتأويلها بالمذكور ، أي كانوا قبل اليوم وهو ما كانوا عليه في الحياة الدنيا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.