الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَٰلِكَ مُتۡرَفِينَ} (45)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{إنهم كانوا قبل ذلك} في الدنيا {مترفين} يعني منعمين في ترك أمر الله تعالى.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"إنّهُمُ كانُوا قَبْلَ ذلكَ مُترَفِينَ" يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء الذين وصف صفتهم من أصحاب الشمال، كانوا قبل أن يصيبهم من عذاب الله ما أصابهم في الدنيا مترفين، يعني منعمين...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرفِينَ}... يحتمل وصفهم بالترف وجهين:

أحدهما: التهاؤهم عن الاعتبار وشغلهم عن الازدجار.

الثاني: لأن عذاب المترف أشد ألماً.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

والمترف: المنعم في سرف وتخوض...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{إنهم كانوا قبل دلك مترفين، وكانوا يصرون على الحنث العظيم، وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون، أو آباؤنا الأولون} وفي الآيات لطائف، نذكرها في مسائل:

المسألة الأولى: ما الحكمة في بيان سبب كونهم في العذاب مع أنه تعالى لم يذكر سبب كون أصحاب اليمين في النعيم، ولم يقل: إنهم كانوا قبل ذلك شاكرين مذعنين؟

فنقول: قد ذكرنا مرارا أن الله تعالى عند إيصال الثواب لا يذكر أعمال العباد الصالحة، وعند إيصال العقاب يذكر أعمال المسيئين، لأن الثواب فضل والعقاب عدل، والفضل سواء ذكر سببه أو لم يذكر لا يتوهم في المتفضل به نقص وظلم، وأما العدل فإن لم يعلم سبب العقاب، يظن أن هناك ظلما فقال: هم فيها بسبب ترفهم، والذي يؤيد هذه اللطيفة أن الله تعالى قال في حق السابقين: {جزاء بما كانوا يعملون} ولم يقل: في حق أصحاب اليمين، ذلك لأنا أشرنا أن أصحاب اليمين هم الناجون بالفضل العظيم، وسنبين ذلك في قوله تعالى: {فسلام لك} وإذا كان كذلك فالفضل في حقهم متمحض فقال: هذه النعم لكم، ولم يقل جزاء لأن قوله: {جزاء} في مثل هذا الموضع، وهو موضع العفو عنهم لا يثبت لهم سرورا بخلاف من كثرت حسناته، فيقال له: نعم ما فعلت خذ هذا لك جزاء.

المسألة الثانية: جعل السبب كونهم مترفين وليس كل من هو من أصحاب الشمال يكون مترفا فإن فيهم من يكون فقيرا؟

نقول قوله تعالى: {إنهم كانوا قبل ذلك مترفين} ليس بذم، فإن المترف هو الذي جعل ذا ترف أي نعمة، فظاهر ذلك لا يوجب ذما، لكن ذلك يبين قبح ما ذكر عنهم بعده وهو قوله تعالى: {وكانوا يصرون على الحنث العظيم}...

أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :

إنهم كانوا قبل ذلك مترفين منهمكين في الشهوات...

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

والترف طريق إلى البطالة وترك التفكر في العاقبة.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما أنتج هذا أنه على خلق اللئيم فهو موضع الحرارة والضيق والخسة والشدة، علله بقوله: {إنهم} أكده وإن كان فيهم أهل الضر لاجتماعهم في الاسترواح إلى منابذة الدين باتباع الشهوات، ولأن ما مضى لهم بالنسبة إلى هذا العذاب حال ناعم، وعبر بالكون دلالة على العراقة في ذلك ولو بتهيئهم له جبلة وطبعاً فقال: {كانوا} أي في الدنيا. ولما كان ذلك ملازماً للاستغراق في الزمان بميل الطباع، نزع الجار فقال: {قبل ذلك} أي الأمر العظيم الذي وصلوا إليه {مترفين} أي في سعة من العيش منهمكين في الشهوات مستمتعين بها متمكنين فيها لترامي طباعهم إليها فأعقبهم ما في جبلاتهم من الإخلاد إلى الترف عدم الاعتبار والاتعاظ في الدنيا والتكبر على الدعاة إلى الله، وفي الآخرة شدة الألم لرقة أجسامهم المهيأة للترف بتعودها بالراحة بإخلادها إليها وتعويلها عليها...

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

والمترف هنا بقرينة المقام هو المتروك يصنع ما يشاء لا يمنع، والمعنى أنهم عذبوا لأنهم كانوا قبل ما ذكر من العذاب في الدنيا متبعين هوى أنفسهم وليس لهم رادع منها يردعهم عن مخالفة أوامره عز وجل وارتكاب نواهيه سبحانه كذا قيل،وقيل: هو العاتي المستكبر عن قبول الحق والإذعان له، والمعنى أنهم عذبوا لأنهم كانوا في الدنيا مستكبرين عن قبول ما جاءتهم به رسلهم من الإيمان بالله عز وجل وما جاء منه سبحانه...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

تعليل لما يلقاه أصحاب الشمال من العذاب، فيتعيّن أن ما تضمنه هذا التعليل كان من أحوال كفرهم وأنه مما له أثر في إلحاق العذاب بهم بقرينة عطف {وكانوا يصرون على الحنث}... {وكانوا يقولون} الخ عليه.

فأمّا إصرارهم على الحنث وإنكارهم البعث فلا يخفى تسببه في العذاب لأن الله توعدهم عليه فلم يقلعوا عنه، وإنما يبقى النظر في قوله: {إنهم كانوا قبل ذلك مترفين} فإن الترف في العيش ليس جريمة في ذاته وكم من مؤمن عاش في ترف، وليس كل كافر مُترفاً في عيشه، فلا يكون الترف سبباً مستقلاً في تسبب الجزاء الذي عوملوا به.

فتأويل هذا التعليل: إما بأن يكون الإتراف سبباً باعتبار ضميمة ما ذُكر بعده إليه بأن كان إصرارهم على الحنث وتكذيبهم بالبعث جريمتين عظمتين لأنهما محفوفتان بكفر نعمة الترف التي خولهم الله إياها على نحو قوله تعالى: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} [الواقعة: 82] فيكون الإِتراف جُزءَ سبب وليس سبباً مستقلاً، وفي هذا من معنى قوله تعالى: {وذَرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلاً} [المزمل: 11].

وإما بأن يراد أن الترف في العيش عَلّق قلوبهم بالدنيا واطمأنوا بها فكان ذلك مُملياً على خواطرهم إنكار الحياة الآخرة، فيكون المراد الترف الذي هذا الإِنكار عارض له وشديد الملازمة له، فوزانه وزان قوله تعالى: {والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم} [محمد: 12].

وفسر {مترفين} بمعنى متكبرين عن قبول الحقّ. والمترف: اسم مفعول من أترفه، أي جعله ذا ترفة بضم التاء وسكون الراء، أي نعمة واسعة، وبناؤه للمجهول لعدم الإحاطة بالفاعل الحقيقي للإتراف كشأن الأفعال التي التزم فيها الإسناد المجازي العقلي الذي ليس لمثله حقيقة عقلية، ولا يقدّر بنحو: أترفه الله، لأن العرب لم يكونوا يقدّرون ذلك فهذا من باب: قال قائل، وسأل سائل.

وإنما جعل أهل الشمال مترَفين لأنهم لا يخلو واحد منهم عن ترف ولو في بعض أحواله وأزمانه من نعم الأكل والشرب والنساء والخمر، وكل ذلك جدير بالشكر لواهبه، وهم قد لابسوا ذلك بالإشراك في جميع أحوالهم، أو لأنهم لما قصروا انظارهم على التفكير في العيشة العاجلة صرفهم ذلك عن النظر والاستدلال على صحة ما يدعوهم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا وجه جعل الترف في الدنيا من أسباب جزائهم الجزاء المذكور.

والإِشارة في قوله: {قبل ذلك} إلى {سموم وحميم وظل من يحموم} [الواقعة: 42، 43] بتأويلها بالمذكور، أي كانوا قبل اليوم وهو ما كانوا عليه في الحياة الدنيا.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

وإذا كان بعض أصحاب الشمال غير مترفين، فإنهم كانوا ضحية المترفين في اتّباعهم وتقليدهم لهم في كل عاداتهم وتقاليدهم وأوضاعهم التي تشبه أوضاع المترفين في ما توحي به من الغفلة عن الله وعن أوامره ونواهيه، والإخلاد إلى الأرض في شهواتها وأطماعها.