فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَٰلِكَ مُتۡرَفِينَ} (45)

ثم ذكر سبحانه أعمالهم التي استحقوا بها هذا العذاب فقال : { إنهم كانوا قبل ذلك } أي قبل هذا العذاب النازل بهم { مترفين } في الدنيا أي منعمين بما لا يحل لهم فمنعهم ذلك من الإنزجار ، وشغلهم عن الاعتبار ، وإنما كان الترفة هنا ذما من حيث إنهم جعلوا من جملته القعود عن الطاعات وتركها ، فصح ذمهم بهذا الإعتبار مع أنه في الواقع ليس ذما في حد ذاته ، والمترف المتنعم ، وقال السدي : مشركين ، وقيل : متكبرين والأول أولى والجملة تعليل لاستحقاقهم هذه العقوبة .

قال الرازي : والحكمة في ذكره سبب عذابهم ولم يذكر في أصحاب اليمين سبب ثوابهم ، فلم يقل : إنهم كانوا قبل ذلك شاكرين مذعنين ، وذلك للتنبيه على أن الثواب منه تعالى فضل والعقاب منه عدل والفضل سواء ذكر سببه أو لم يذكر لا يوهم بالمتفضل نقصا ولا ظلما ، وأما العدل فإنه إن لم ذكر سبب العقاب يظن أنه ظالم ، ويدل على ذلك أنه تعالى لم يقل في حق أصحاب اليمين { جزاء بما كانوا يعملون } كما قال في السابقين ، لأن أصحاب اليمين نجوا بالفضل العظيم لا بالعمل بخلاف من كثرت حسناته فإنه يحسن إطلاق الجزاء في حقه .