مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَٰلِكَ مُتۡرَفِينَ} (45)

قوله تعالى : { إنهم كانوا قبل دلك مترفين ، وكانوا يصرون على الحنث العظيم ، وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ، أو آباؤنا الأولون } وفي الآيات لطائف ، نذكرها في مسائل :

المسألة الأولى : ما الحكمة في بيان سبب كونهم في العذاب مع أنه تعالى لم يذكر سبب كون أصحاب اليمين في النعيم ، ولم يقل : إنهم كانوا قبل ذلك شاكرين مذعنين ؟ فنقول : قد ذكرنا مرارا أن الله تعالى عند إيصال الثواب لا يذكر أعمال العباد الصالحة ، وعند إيصال العقاب يذكر أعمال المسيئين لأن الثواب فضل والعقاب عدل ، والفضل سواء ذكر سببه أو لم يذكر لا يتوهم في المتفضل به نقص وظلم ، وأما العدل فإن لم يعلم سبب العقاب ، يظن أن هناك ظلما فقال : هم فيها بسبب ترفهم ، والذي يؤيد هذه اللطيفة أن الله تعالى قال في حق السابقين : { جزاء بما كانوا يعملون } ولم يقل : في حق أصحاب اليمين ، ذلك لأنا أشرنا أن أصحاب اليمين هم الناجون بالفضل العظيم ، وسنبين ذلك في قوله تعالى : { فسلام لك } وإذا كان كذلك فالفضل في حقهم متمحض فقال : هذه النعم لكم ، ولم يقل جزاء لأن قوله : { جزاء } في مثل هذا الموضع ، وهو موضع العفو عنهم لا يثبت لهم سرورا بخلاف من كثرت حسناته ، فيقال له : نعم ما فعلت خذ هذا لك جزاء .

المسألة الثانية : جعل السبب كونهم مترفين وليس كل من هو من أصحاب الشمال يكون مترفا فإن فيهم من يكون فقيرا ؟ نقول قوله تعالى : { إنهم كانوا قبل ذلك مترفين } ليس بذم ، فإن المترف هو الذي جعل ذا ترف أي نعمة ، فظاهر ذلك لا يوجب ذما ، لكن ذلك يبين قبح ما ذكر عنهم بعده وهو قوله تعالى : { وكانوا يصرون على الحنث العظيم } .