فلما تشاوروا في شأنه ، وائتمروا فيه ، اتفق رأيهم على ما حكاه الله تعالى عنهم في قوله تعالى :
{ قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ }
قال ابن عباس : { أَرْجِهِ } أخّره . وقال قتادة : احبسهُ . { وَأَرْسِلْ } أي : ابعث { فِي الْمَدَائِنِ } أي : في الأقاليم ومعاملة ملكك ، { حَاشِرِينَ } أي : من يحشر لك السحرة من سائر البلاد ويجمعهم .
وقد كان السحر في زمانهم غالبا كثيرا ظاهرا . واعتقد من اعتقد منهم ، وأوهم من أوهم منهم ، أن ما جاء موسى ، عليه السلام ، من قبيل ما تشعبذه{[12006]} سحرتهم ؛ فلهذا جمعوا له السحرة ليعارضوه بنظير ما أراهم من البينات ، كما أخبر تعالى عن فرعون حيث قال : { قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى . فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى . قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى . فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى } [ طه : 57 - 60 ]
القول في تأويل قوله تعالى : { يَأْتُوكَ بِكُلّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ * وَجَآءَ السّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْوَاْ إِنّ لَنَا لأجْراً إِن كُنّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ } . .
وهذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن مَشْوَرَةِ الملإ من قوم فرعون على فرعون ، أن يرسل في المدائن حاشرين ، يحشرون كلّ ساحر عليم . وفي الكلام محذوف اكتفي بدلالة الظاهر من إظهاره ، وهو : فأرسل في المدائن حاشرين يحشرون السحرة ، فجاء السحرة فرعون قالُوا إنّ لَنَا لأجْرا يقول : إن لنا لثوابا على غلبتنا موسى عندك ، إنْ كُنّا يا فرعون نَحْنُ الغَالِبينَ .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا العباس ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا الأصبغ بن زيد ، عن القاسم بن أبي أيوب ، قال : ثني سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : فأرسل في المدائن حاشرين ، فحشر له كلّ ساحر متعالم فلما أتوا فرعون ، قالوا : بم يعمل هذا الساحر ؟ قالوا : يعمل بالحيات ، قالوا : والله ما في الأرض قوم يعملون بالسحر والحيات والحبال والعصيّ أعلم منّا ، فما أجرنا إن غلبنا ؟ فقال لهم : أنتم قرابتي وحامّتي ، وأنا صانع إليكم كلّ شيء أحببتم .
حدثني عبد الكريم بن الهيثم قال : حدثنا إبراهيم بن بشار ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا أبو سعد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال فرعون : لا نغالبه يعني موسى إلا بمن هو منه . فأعدّ علماء من بني إسرائيل ، فبعث بهم إلى قرية بمصر يقال لها الفرما ، يعلّمونهم السحر ، كما يعلّم الصبيان الكتاب في الكتاب . قال : فعلموهم سحرا كثيرا . قال : وواعد موسى فرعون موعدا فلما كان في ذلك الموعد بعث فرعون ، فجاء بهم وجاء بمعلمهم معهم ، فقال له : ماذا صنعت ؟ قال : قد علمتهم من السحر سحرا لا يطيقه سحر أهل الأرض ، إلا أن يكون أمرا من السماء ، فإنه لا طاقة لهم به ، فأما سحر أهل الأرض فإنه لن يغلبهم فلما جاءت السحرة قالوا لفرعون : إنّ لَنَا لأجْرا إنْ كُنّا نَحْنُ الغالِبِينَ قال : نعم وَإنّكُمْ إذَنْ لَمِنَ المُقَرّبِينَ .
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : فَأرْسِلَ فِرْعَوْنُ فِي المَدَائِنِ حاشِرِينَ فحشروا عليه السحرة ، فلما جاء السحرة فرعون قالُوا إنّ لَنَا لأجْرا إنْ كُنّا نَحْنُ الغالِبِينَ يقول : عطية تعطينا إنْ كُنّا نَحْنُ الغالِبينَ قالَ نَعَمْ وَإنّكُمْ لَمِنَ المُقَرّبِينَ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : أرْجِهْ وأخاهُ وأرْسِلْ فِي المَدَائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلّ ساحِرٍ عَلِيمٌ : أي كاثره بالسحرة لعلك أن تجد في السحرة من يأتي بمثل ما جاء به ، وقد كان موسى وهارون خرجا من عنده حين أراهم من سلطانه ، وبعث فرعون في مملكته ، فلم يترك في سلطانه ساحر إلا أتي به . فذكر لي والله أعلم أنه جمع له خمسة عشر ألف ساحر فلما اجتمعوا إليه أمرهم أمره ، وقال لهم : قد جاءنا ساحر ما رأينا مثله قطّ ، وإنكم إن غلبتموه أكرمتكم وفضلتكم ، وقرّبتكم على أهل مملكتي ، قالوا : وإن لنا ذلك إن غلبناه ؟ قال : نعم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة ، قال : السحرة كانوا سبعين . قال أبو جعفر : أحسبه أنه قال : ألفا .
قال ثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا موسى بن عبيدة ، عن ابن المنذر ، قال : كان السحرة ثمانين ألفا .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن خيثمة ، عن أبي سودة ، عن كعب ، قال : كان سحرة فرعون اثني عشر ألفا .
جَزْم { يأتوك } على جواب الأمر للدلالة على شدة اتصال السببية بين الإرسال والإتيان ، فالتقدير : إنْ تُرْسل يأتُوك ، وقد قيل : في مثله إنه مجزوم بلام الأمر محْذوفة ، على أن الجملة بدل من { أرسلْ } بدلَ اشتمال . أي : أرسلهم آمراً لهم فليأتوك بكل ساحر عليم ، وهذا الاستعمال كثير في كلام العرب مع فعل القول نحو : { قل لعباديَ الذين آمنوا يُقيموا الصلاة } [ إبراهيم : 31 ] فكذلك ما كان فيه معنى القول كما هنا .
و ( كل ) مستعمل في معنى الكثرة ، أي : بجمع عظيم من السحرة يشبه أن يكون جميع ذلك النوع .
وقرأ الجمهور : { بكل ساحر } وقرأ جمزة ، والكسائي ، وخلف : { بكل سَحّار } ، على المبالغة في معرفة السحر ، فيكون وصف { عليم } تأكيداً لمعنى المبالغة لأن وصف { عليم } الذي هو من أمثلة المبالغة للدلالة على قوة المعرفة بالسحر ، وحذف متعلق { عليم } لأنه صار بمنزلة أفعال السجايا . والمقام يدل على أن المراد قوة علم السحر له .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.