مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{يَأۡتُوكَ بِكُلِّ سَٰحِرٍ عَلِيمٖ} (112)

أما قوله : { يأتوك بكل ساحر عليم } ففيه مسائل :

المسألة الأولى : قرأ حمزة والكسائي بكل سحار ، والباقون بكل ساحر ، فمن قرأ سحار فحجته أنه قد وصف بعليم ، ووصفه به يدل على تناهيه فيه وحذقه به ، فحسن لذلك أن يذكر بالاسم الدال على المبالغة في السحر ، ومن قرأ ساحر فحجته قوله : { وألقي السحرة } { لعلنا نتبع السحرة } والسحرة جمع ساحر مثل كتبه وكاتب وفجرة وفاجر . واحتجوا أيضا بقوله : { سحروا أعين الناس } واسم الفاعل من سحروا ساحر .

المسألة الثانية : الباء في قوله : { بكل ساحر } يحتمل أن تكون بمعنى مع ، ويحتمل أن تكون باء التعدية والله أعلم .

المسألة الثالثة : هذه الآية تدل على أن السحرة كانوا كثيرين في ذلك الزمان ، وهذا يدل على صحة ما يقوله المتكلمون ، من أنه تعالى يجعل معجزة كل نبي من جنس ما كان غالبا على أهل ذلك الزمان فلما كان السحر غالبا على أهل زمان موسى عليه السلام كانت معجزته شبيهة بالسحر وإن كان مخالفا للسحر في الحقيقة ، ولما كان الطب غالبا على أهل زمان عيسى عليه السلام كانت معجزته من جنس الطب ، ولما كانت الفصاحة غالبة على أهل زمان محمد عليه الصلاة والسلام لا جرم كانت معجزته من جنس الفصاحة .