السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَأۡتُوكَ بِكُلِّ سَٰحِرٍ عَلِيمٖ} (112)

{ يأتوك } أي : الشرط { بكل ساحر عليم } أي : ماهر بصناعته والباء يحتمل أن تكون بمعنى مع ويحتمل أن تكون باء التعدية ، وقرأ حمزة والكسائي بتشديد الحاء مفتوحة وألف بعدها ولا ألف قبلها والباقون بتخفيف الحاء مكسورة وألف قبلها ولا ألف بعدها ولم يختلفوا في سورة الشعراء أنه سحار ، قيل : الساحر الذي يعلم السحر ولا يعلم والسحار من يديم السحر ، روي أنّ فرعون لما رأى من سلطان الله وقدرته في العصا ما رأى قال : إنا لا نقاتل موسى إلا بمن هو أقوى منه فاتخذ غلماناً من بني إسرائيل وبعث بهم إلى مدينة يقال لها : الفرما يعلمونهم السحر فعلموهم سحراً كثيراً وواعد فرعون موسى موعداً ثم بعث السحرة الذين أرسلهم فجاؤوا ومعلمهم معهم فقال فرعون للمعلم : ما صنعت ؟ فقال : علمتهم سحراً لا تطيقه أهل الأرض إلا أن يأتي أمر من السماء فإنهم لا طاقة لهم به ثم بعث فرعون في مملكته فلم يترك في سلطانه ساحر إلا أتي به وهذا يدل على أنّ السحرة كانوا كثيرين في ذلك الزمان وهو يدل على صحة ما يقوله المتكلمون وهو أنه تعالى يجعل معجزة كل نبيّ من جنس ما كان غالباً على أهل ذلك الزمان لما كان السحر غالباً على أهل زمان موسى كانت معجزته شبيهة بالسحر وإن كانت مخالفة للسحر في الحقيقة ، ولما كان الطب غالباً على أهل زمان عيسى عليه السلام كانت معجزته من جنس الطب ، ولما كانت الفصاحة غالبة على أهل زمان محمد صلى الله عليه وسلم كانت معجزته من جنس الفصاحة . واختلفوا في عدد السحرة الذي جمعهم فرعون فمن مقل ومن مكثر وليس في الآية ما يدل على المقدار والكيفية والعدد ولذلك اختلف في عددهم ، فقال مقاتل : كانوا اثنين وسبعين اثنان من القبط وهما رؤساء القوم وسبعون من بني إسرائيل ، وقال الكلبي : كان الذين يعلمونهم رجلين مجوسيين من أهل نينوى بلدة يونس عليه السلام وكانوا سبعين غير رئيسهم ، وقال كعب الأحبار : كانوا اثني عشر ألفاً ، وقال محمد بن إسحاق : كانوا خمسة عشر ألفاً ، وقال عكرمة : كانوا سبعين ألف ، وقال ابن المنكدر : كانوا ثمانين ألفاً ، وقال مقاتل : كان رئيس السحرة شمعون ، وقال ابن جريج : كان رئيسهم يوحنا .