{ مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ } الاتكاء : هو الجلوس على وجه التمكن والراحة والاستقرار ، والسرر : هي الأرائك المزينة بأنواع الزينة من اللباس الفاخر والفرش الزاهية .
ووصف الله السرر بأنها مصفوفة ، ليدل ذلك على كثرتها ، وحسن تنظيمها ، واجتماع أهلها وسرورهم ، بحسن معاشرتهم ، ولطف كلام بعضهم لبعض{[876]} فلما اجتمع لهم من نعيم القلب والروح والبدن ما لا يخطر بالبال ، ولا يدور في الخيال ، من المآكل والمشارب [ اللذيذة ] ، والمجالس الحسنة الأنيقة ، لم يبق إلا التمتع بالنساء اللاتي لا يتم سرور بدونهن{[877]} فذكر الله أن لهم من الأزواج أكمل النساء أوصافا وخلقا وأخلاقا ، ولهذا قال : { وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ } وهن النساء اللواتي قد جمعن من جمال الصورة الظاهرة وبهاءها ، ومن الأخلاق الفاضلة ، ما يوجب أن يحيرن بحسنهن الناظرين ، ويسلبن عقول العالمين ، وتكاد الأفئدة أن تطيش{[878]} شوقا إليهن ، ورغبة في وصالهن ، والعين : حسان الأعين مليحاتها ، التي صفا بياضها وسوادها .
وقوله : { مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ } قال الثوري ، عن حصين ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : السرر في الحجال .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو اليمان ، حدثنا صفوان بن عمرو ؛ أنه سمع الهيثم بن مالك الطائي يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الرجل ليتكئ المتكأ مقدار أربعين سنة ما يتحول عنه ولا يمله ، يأتيه ما اشتهت نفسه ولذت عينه " .
وحدثنا أبي ، حدثنا هُدْبَة بن خالد ، عن سليمان بن المغيرة ، عن ثابت قال : بلغنا أن الرجل ليتكئ في الجنة سبعين سنة ، عنده من أزواجه وخدمه وما أعطاه الله من الكرامة والنعيم ، فإذا حانت منه نظرة فإذا أزواج له لم يكن رآهن قبل ذلك ، فيقلن : قد آن لك أن تجعل لنا منك نصيبا .
ومعنى { مصفوفة } أي : وجوه بعضهم إلى بعض ، كقوله : { عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ } [ الصافات : 44 ] . { وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ } أي : وجعلناهم قرينات صالحات ، وزوجات حسانا من الحور العين .
وقال مجاهد : { وزوجناهم } : أنكحناهم بحور عين ، وقد تقدم وصفهن في غير موضع بما أغنى عن إعادته .
وقوله : مُتّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ قد جعلت صفوفا ، وترك قوله : على نمارق ، اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام عليه .
وقوله : وَزَوّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ يقول تعالى ذكره : وزوّجنا الذكور من هؤلاء المتقين أزواجا بحور عين من النساء ، يقول الرجل : زوّج هذا الخلف الفرد أو النعل الفرد بهذا الفرد ، بمعنى : اجعلهما زوجا . وقد بيّنا معنى الزوج فيما مضى بما أغنى عن إعادته ها هنا ، والحُور : جمع حَوْراء ، وهي الشديدة بياض مقلة العين في شدّة سواد الحدقة .
وقد ذكرت اختلاف أهل التأويل في ذلك ، وبيّنت الصواب فيه عندنا بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع ، والعِين : جمع عَيْناء ، وهي العظيمة العَيْن في حُسن وسعة .
وقوله تعالى : { متكئين } نصب على الحال على حد قوله : { فاكهين } والعامل في هاتين الحالتين الفعل المقدر في قوله : { في جنات } ويجوز غير هذا ، وفي ذلك نظر ، وقرأ أبو السمال : «على سرَر » بفتح الراء الأولى . و : { زوجناهم } معناه : جعلنا لكل فرد منهم زوجاً ، والحور : جمع حوراء ، وهي البيضاء القوية بياض بياض العين وسواد سوادها ، و «العين » جمع عيناء وهي الكبيرة العينين مع جمالهما . وفي قراءة ابن مسعود وإبراهيم النخعي : «وزوجناهم بعيس عين » ، قال أبو الفتح : العيساء البيضاء . وقرأ عكرمة : «وزوجناهم حوراً عيناً » . وحكى أبو عمرو عن عكرمة أنه قرأ «بعيس عين » على إضافة «عيس » إلى «عين »{[10642]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.