{ 45 - 48 } { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا * وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا }
هذه الأشياء ، التي وصف الله بها رسوله محمدًا صلى اللّه عليه وسلم ، هي المقصود من رسالته ، وزبدتها وأصولها ، التي اختص بها ، وهي خمسة أشياء : أحدها : كونه { شَاهِدًا } أي : شاهدًا على أمته بما عملوه ، من خير وشر ، كما قال تعالى : { لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا } فهو صلى اللّه عليه وسلم شاهد عدل مقبول .
الثاني ، والثالث : كونه { مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } وهذا يستلزم ذكر المبشر والمنذر ، وما يبشر به وينذر ، والأعمال الموجبة لذلك .
فالمبشَّر هم : المؤمنون المتقون ، الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح ، وترك المعاصي ، لهم البشرى في الحياة الدنيا ، بكل ثواب دنيوي وديني ، رتب على الإيمان والتقوى ، وفي الأخرى بالنعيم المقيم .
وذلك كله يستلزم ، ذكر تفصيل المذكور ، من تفاصيل الأعمال ، وخصال التقوى ، وأنواع الثواب .
والْمنْذَر هم ، هم : المجرمون الظالمون ، أهل الظلم والجهل ، لهم النذارة في الدنيا ، من العقوبات الدنيوية والدينية ، المترتبة على الجهل والظلم ، وفي الأخرى ، بالعقاب الوبيل ، والعذاب الطويل .
وهذه الجملة تفصيلها ، ما جاء به صلى اللّه عليه وسلم ، من الكتاب والسنة ، المشتمل على ذلك .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا} على هذه الأمة بتبليغ الرسالة.
{ومبشرا} بالجنة والنصر في الدنيا على من خالفهم.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد "إنّا أرْسَلْنَاكَ شَاهِدا "على أمتك بإبلاغك إياهم ما أرسلناك به من الرسالة، ومبشرهم بالجنة إن صدّقوك وعملوا بما جئتهم به من عند ربك، "وَنَذِيرا" من النار أن يدخلوها، فيعذّبوا بها إن هم كذّبوك، وخالفوا ما جئتهم به من عند الله.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{شاهدا} على تبليغ الرسالة، يشهد لهم بالإجابة له، إذا أجابوه، ويشهد عليهم، إذا ردوه، وخالفوه. وقال بعضهم: {شاهدا} على أمتك بالتصديق لهم.
{ومبشرا ونذيرا}... والبشارة، هي إخبار عن الخيرات التي تكون في عواقب الأمور الصالحة، والنذارة إخبار عن أحزان تكون في عواقب الأمور السيئة.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
يأيها المُشَرَّفُ مِنْ قِبَلِنا، إِنّا أرسلناكَ شاهداً بوحدانيتنا، وشاهداً تُبَشِّر بمتابعتنا، وتحذِّرُ من مخالفة أَمْرِنَا، وتُعْلِمُ الناسَ مواضعَ الخوف مِنَّا، وداعياً إلينا بنا، وسراجاً يستضيئون به، وشمساً ينبسط شعاعُها على جميع مَنْ صَدَّقَكَ وآمَنَ بك، فلا يصل إلينا إِلاَّ مَنْ اتبَّعَكَ وخَدَمَك، وصَدَّقَك وقَدَّمَك.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{شاهدا} على من بعثت إليهم، وعلى تكذيبهم وتصديقهم، أي: مقبولاً قولك عند الله لهم وعليهم، كمل يقبل قول الشاهد العدل في الحكم...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
هذه الآية فيها تأنيس للنبي عليه السلام وللمؤمنين وتكريم لجميعهم.
{شاهدا ومبشرا ونذيرا} فيه ترتيب حسن وذلك من حيث إن النبي عليه السلام أرسل شاهدا بقوله لا إله إلا الله ويرغب في ذلك بالبشارة فإن لم يكف ذلك يرهب بالإنذار.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{يا أيها النبي} أي الذي نخبره بما لا يطلع عليه غيره.
ولما كان الكافرون -المجاهرون منهم والمساترون- ينكرون الرسالة وما تبعها، أكد قوله في أمرها وفخمه فقال: {إنا أرسلناك} أي بعظمتنا بما ننبئك به إلى سائر خلقنا.
وأشار إلى المبالغة في البشارة بالتضعيف، لما لها من حسن الأثر في إقبال المدعو، وللتضعيف من الدلالة على كثرة الفعل والمفعول بشارة بكثرة التابع وهو السبب لمقصود السورة،
وكانت المبالغة في النذارة أزيد، لأنها أبلغ في رد المخالف، وهي المقصود بالذات من الرسالة، لصعوبة الاجتراء عليها.
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
وقدم التبشير لشرف المبشرين ولأنه المقصود الأصلي؛ إذ هو صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين وكأنه لهذا جبر ما فاته من المبالغة بقوله تعالى: {وَبَشّرِ المؤمنين} [الأحزاب: 47].
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
بعد أن ذكر عز اسمه تأديبه لنبيه في ابتداء السورة، وذكر ما ينبغي أن يكون عليه مع أهله- ذكر ما ينبغي أن يكون عليه مع الخلق كافة.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
هذه الأشياء، التي وصف الله بها رسوله محمدًا صلى اللّه عليه وسلم، هي المقصود من رسالته، وزبدتها وأصولها، التي اختص بها، وهي خمسة أشياء: أحدها: كونه {شَاهِدًا}... الثاني، والثالث: كونه {مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
ناداه بأوصاف أودعها سبحانه فيه للتنويه بشأنه، وزيادة رفعة مقداره وبين له أركان رسالته، فهذا الغرض هو وصف تعلقات رسالته بأحوال أمته وأحوال الأمم السالفة.
والشاهد: المخبر عن حجة المدعي المحقّ ودفع دعوى المبطل، فالرسول صلى الله عليه وسلم شاهد بصحة ما هو صحيح من الشرائع وبقاءِ ما هو صالح للبقاء منها، ويشهد ببطلان ما ألصق بها وبنسخ ما لا ينبغي بقاؤه من أحكامها بما أخبر عنهم في القرآن والسنة، قال تعالى: {مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه} [المائدة: 48].
وشمل اسم النذير جوامعَ ما في الشريعة من النواهي والعقوبات، وهو قسم الاجتناب من قسمي التقوى، فإن المنهيات متضمنة مفاسد، فهي مقتضية تخويف المُقدمين على فعلها من سوء الحال في العاجل والآجل.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وهنا ينبغي الانتباه إلى عدّة ملاحظات:
لقد ذكر مقام «الشهادة»، وكون النّبي (صلى الله عليه وآله) شاهداً قبل جميع صفاته الاُخرى، وذلك لأنّ هذا المقام لا يحتاج إلى مقدّمة سوى وجود النّبي ورسالته، فعندما يتمّ نصبه في هذا المقام يكون شاهداً من جميع الجهات التي ذكرناها سابقاً، غير أنّ مقام «البشارة» و «الإنذار» أمر يتحقّق بعد ذلك.
إنّ الدعوة إلى الله سبحانه مرحلة تأتي بعد البشارة والإنذار، لأنّ البشارة والإنذار وسيلة لتهيئة الأفراد لقبول الحقّ، فعندما تتهيّأ هذه الأرضية عن طريق الترغيب والترهيب، تبدأ مرحلة الدعوة إلى الله سبحانه، وستكون مؤثّرة في هذه الحالة فقط.
هذه الآية فيها تأنيس للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ، وتكريم لجميعهم . وهذه الآية من أسمائه صلى الله عليه وسلم ست أسماء ولنبينا صلى الله عليه وسلم أسماء كثيرة وسمات جليلة ، ورد ذكرها في الكتاب والسنة والكتب المتقدمة . وقد سماه الله في كتابه محمدا وأحمد . وقال صلى الله عليه وسلم فيما روى عنه الثقات العدول : ( لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب ) . وفي صحيح مسلم حديث جبير بن مطعم : وقد سماه الله " رؤوفا رحيما " . وفيه أيضا عن أبي موسى الأشعري قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء ، فيقول : ( أنا محمد وأحمد والمقفي والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة ) . وقد تتبع القاضي أبو الفضل عياض في كتابه المسمى ( بالشفا ) ما جاء في كتاب الله وفي سنة رسول صلى الله عليه وسلم ومما نقل في الكتب المتقدمة{[12852]} ، وإطلاق الأمة أسماء كثيرة وصفات عديدة ، قد صدقت عليه صلى الله عليه وسلم مسمياتها ، ووجدت فيه معانيها . وقد ذكر القاضي أبو بكر بن العربي في أحكامه في هذه الآية من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم سبعة وستين اسما وذكر صاحب ( وسيلة المتعبدين إلى متابعة سيد المرسلين ) عن ابن عباس أن لمحمد صلى الله عليه وسلم مائة وثمانين اسما ، من أرادها وجدها هناك . وقال ابن عباس : لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا ومعاذا ، فبعثهما إلى اليمن ، وقال : ( اذهبا فبشرا ولا تنفرا ، ويسرا ولا تعسرا فإنه قد أنزل عليّ ) وقرأ هذه الآية .
قوله تعالى : " شاهدا " قال سعيد عن قتادة : " شاهدا " على أمته بالتبليغ إليهم ، وعلى سائر الأمم بتبليغ أنبيائهم ، ونحو ذلك " ومبشرا " معناه للمؤمنين برحمة الله وبالجنة " ونذيرا " معناه للعصاة والمكذبين من النار وعذاب الخلد . " وداعيا إلى الله " الدعاء إلى الله هو تبليغ التوحيد والأخذ به ، ومكافحة الكفرة . " بإذنه " هنا معناه : بأمره إياك ، وتقديره ذلك في وقته وأوانه . " وسراجا منيرا " هنا استعارة للنور الذي يتضمنه شرعه . وقيل : " وسراجا " أي هاديا من ظلم الضلالة ، وأنت كالمصباح المضيء . ووصفه بالإنارة لأن من السرج ما لا يضيء ، إذا قل سليطه{[12853]} ودقت فتيلته . وفي كلام بعضهم : ثلاثة تضني : رسول بطيء ، وسراج لا يضيء ، ومائدة ينتظر لها من يجيء . وسئل بعضهم عن الموحشين فقال : ظلام ساتر وسراج فاتر . وأسند النحاس قال : حدثنا محمد بن إبراهيم الرازي قال حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي قال حدثنا عبد الرحمن ، بن محمد المحاربي عن شيبان النحوي قال حدثنا قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما نزلت " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا . وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا " دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا ومعاذا فقال : ( انطلقا فبشرا ولا تعسرا فإنه قد نزل عليّ الليلة آية " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا . ومبشرا ونذيرا - من النار - وداعيا إلى الله - قال - شهادة أن لا إله إلا الله - بإذنه - بأمره - وسراجا منيرا - قال - بالقرآن " . وقال الزجاج : " وسراجا " أي وذا سراج منير ، أي كتاب نير . وأجاز أيضا أن يكون بمعنى : وتاليا كتاب الله .
قول تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ( 45 ) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ( 46 ) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيرًا ( 47 ) وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً } .
هذا تأنيس من الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم وتكريم له ولأمته من بعده . فرسول الله صلى الله عليه وسلم حامل لواء الهداية للبشرية كافة . وقد بعثه الله لهداية العالمين أجمعين إلى يوم البعث والدين . وأمته من بعده قد أُنيط بها أن تدعو الناس جميعا في سائر الأمكنة والأدهار وفي كل الأحوال والأعصار ، إلى عقيدة التوحيد والإذعان لله وحده بالخضوع والامتثال دون غيره من الآلهة المصطنعة ، والطواغيث العتاة ، وتدعوهم إلى منهج الله الذي تضمن من قواعد الحق والعدل والفضيلة والرحمة ما تستقيم به حياة العباد فيكونوا إخوانا متعاونين غير متباغضين ولا متصارعين . وهذه حقيقة ينطق بها المنصفون ، ويعترف بها الصادقون من أولي النباهة والألباب الذي يوقنون أن محمدا صلى الله عليه وسلم حق فقد شهد له القرآن بصدق نبوته ، وشهدت له سيرته المميزة الفضلى التي لا تتجلى بمثل هذا الكمال من مكارم الصفات وحسن الخلال إلا في نبي مرسل مكرم كمحمد صلى الله عليه وسلم . وشهدت له بذلك أيضا الكتب السماوية المتقدمة من قبل أن يأتي عليها التحريف والتزييف من أولي الأهواء والأباطيل من بني إسرائيل . فقد روى الإمام أحمد عن عطاء بن يسار قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص ( رضي الله عنه ) فقلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة فقال : أجلّ والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } وحرزا للأمين ؛ فأنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخّاب في الأسواق ، ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويغفر ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله فيفتح بها أعينا عميا وآذانا صُمّا وقلوبا غُلْفا .
وروي عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) قال : لما نزلت { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } وقد كان أمر عليّا ومعاذا ( رضي الله عنهما ) أ يسيرا إلى اليمن فقال : " انطلقا فبشرا ولا تنفرا ، ويسرا ولا تعسرا " إنه قد أنزل عليّ { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } هذه الأسماء : شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا وسراجا ، كلها منصوبات على الحال{[3753]} أنا صاانعة بشيء
قوله : { شاهدا } أي شاهدا لله بالوحدانية وأنه الحق الذي لا إله غيره . أو تشهد على الناس بأعمالهم يوم القيامة .
قوله : { ومبشرا } أي تبشّر المؤمنين برحمة الله بهم وبما أعده لهم من حسن الجزاء { ونذيرا } من الإنذار وهو التبليغ ولا يكون إلا في التخويف{[3754]} أي تنذر الكافرين والعصاة الذين لجّوا مستكبرين فتُخوفهم من وبيل العقاب في النار .