وقوله تعالى : { قال هذا صراط } الآية : القائل هو الله تعالى ، ويحتمل أن يكون ذلك بواسطة ، وقرأ الضحاك وحميد والنخعي وابو رجاء وابن سيرين وقتادة وقيس بن عباد ومجاهد وغيرهم «علي مستقيم » من العلو والرفعة ، والإشارة بهذا على هذه القراءة إلى الإخلاص لما استثني إبليس من أخلص . قال الله له هذا الإخلاص طريق رفيع مستقيم لا تنال أنت بإغوائك أهله ، وقرأ جمهور الناس «علي مستقيم » ، والإشارة بهذا على هذه القراءة إلى انقسام الناس إلى غاو ومخلص ، لما قسم إبليس الناس هذين القسمين ، قال الله هذه طريق علي ، أي هذا أمر إلى مصيره ، والعرب تقول طريقك في هذا الأمر على فلان أي إليه يصير النظر في أمرك ، وهذا نحو قوله تعالى { إن ربك لبالمرصاد }{[7171]} [ الفجر : 14 ] .
قال القاضي أبو محمد : الآية على هذه القراءة تتضمن وعيداً{[7172]} ، ثم ابتدأ الإخبار عن سلامة عباده المتقين من إبليس وخاطبه بأنه لا حجة له عليهم ولا ملكه .
الصراط المستقيم : هو الخبر والرشاد .
فالإشارة إلى ما يؤخذ من الجملة الواقعة بعد اسم الإشارة المبيّنة للإخبار عن اسم الإشارة وهي جملة { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } ، فتكون الإشارة إلى غير مشاهَد تنزيلاً له منزلة المشاهد ، وتنزيلاً للمسموع منزلة المرئي .
ثم إن هذا المنزل منزلة المشاهد هو مع ذلك غير مذكور لقصد التشويق إلى سماعه عند ذكره . فاسم الإشارة هنا بمنزلة ضمير الشأن ، كما يكتب في العهود والعقود : هذا ما قاضى عليه فلان فلاناً أنه كيَت وكيت ، أو هذا ما اشترى فلان من فلان أنه باعه كذا وكذا .
ويجوز أن تكون الإشارة إلى الاستثناء الذي سبق في حكاية كلام إبليس من قوله : { إلا عبادك منهم المخلصين } [ سورة الحجر : 40 ] لتضمنه أنه لا يستطيع غواية العباد الذين أخلصهم الله للخير ، فتكون جملة { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } مستأنفة أفادت نفي سلطانه .
والصراط : مستعار للعمل الذي يقصِد منه عاملُه فائدةً . شُبه بالطريق الموصل إلى المكان المطلوب وصوله إليه ، أي هذا هو السُنّة التي وضعتُها في الناس وفي غوايتك إياهم وهي أنّك لا تغوي إلا من اتّبعك من الغاوين ، أو أنك تغوي من عدا عبادي المخلصين .
و { مستقيم } نعت ل { صراط } ، أي لا اعوجاج فيه . واستعيرت الاستقامة لملازمة الحالة الكاملة .
و { على } مستعملة في الوجوب المجازي ، وهو الفعل الدائم التي لا يتخلّف كقوله تعالى : { إن علينا للهدى } [ سورة الليل : 12 ] ، أي أنّا التزمنا الهدى لا نحيد عنه لأنه مقتضى الحكمة وعظمة الإلهية .
وهذه الجملة مما يُرسل من الأمثال القرآنية .
وقرأ الجمهور { على } بفتح اللام وفتح الياء على أنها ( على ) اتصلت بها ياء المتكلم . وقرأه يعقوب بكسر اللام وضم الياء وتنوينها على أنه وصف من العلوّ وصف به صراط ، أي صراط شريف عظيم القدر .
والمعنى أن الله وضع سنّة في نفوس البشر أن الشيطان لا يتسلّط إلا على من كان غاوياً ، أي مائلاً للغواية مكتسباً لها دون مَن كبحَ نفسه عن الشر . فإن العاقل إذا تعلق به وسواس الشيطان عَلم ما فيه من إضلال وعلم أن الهدى في خلافه فإذا توفّق وحمل نفسه على اختيار الهُدى وصرف إليه عزمه قوي على الشيطان فلم يكن له عليه سلطان ، وإذا مَال إلى الضلال واستحسنه واختار إرضاء شهوته صار متهيئاً إلى الغواية فأغواه الشيطان فغوَى . فالاتباع مجاز بمعنى الطاعة واستحسان الرأي كقوله : { فاتبعوني يحببكم الله } [ سورة آل عمران : 31 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.