تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلۡيَأۡتُواْ بِحَدِيثٖ مِّثۡلِهِۦٓ إِن كَانُواْ صَٰدِقِينَ} (34)

{ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ } أنه تقوله ، فإنكم العرب الفصحاء ، والفحول البلغاء ، وقد تحداكم أن تأتوا بمثله ، فتصدق معارضتكم أو تقروا بصدقه ، وأنكم لو اجتمعتم ، أنتم والإنس والجن ، لم تقدروا على معارضته والإتيان بمثله ، فحينئذ أنتم بين أمرين : إما مؤمنون به ، مهتدون بهديه ، وإما معاندون متبعون لما علمتم من الباطل .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلۡيَأۡتُواْ بِحَدِيثٖ مِّثۡلِهِۦٓ إِن كَانُواْ صَٰدِقِينَ} (34)

وما دامت قلوبهم لا تستشعر حقيقة هذا التنزيل ؛ فهو يتحداهم إذن ببرهان الواقع الذي لا يقبل المراء : ( فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ) .

وقد تكرر هذا التحدي في القرآن الكريم ؛ وتلقاه المنكرون عاجزين ، ووقفوا تجاهه صاغرين . وكذلك يقف أمامه كل أحد إلى يوم الدين .

إن في هذا القرآن سرا خاصا ، يشعر به كل من يواجه نصوصه ابتداء ، قبل أن يبحث عن مواضع الإعجاز فيها . إنه يشعر بسلطان خاص في عبارات هذا القرآن . يشعر أن هنالك شيئا ما وراء المعاني التي يدركها العقل من التعبير . وأن هنالك عنصرا ما ينسكب في الحس بمجرد الاستماع لهذا القرآن . يدركه بعض الناس واضحا ويدركه بعض الناس غامضا ، ولكنه على كل حال موجود . هذا العنصر الذي ينسكب في الحس ، يصعب تحديد مصدره : أهو العبارة ذاتها ? أهو المعنى الكامن فيها ? أهو الصور والظلال التي تشعها ? أهو الإيقاع القرآني الخاص المتميز من إيقاع سائر القول المصوغ من اللغة ? أهي هذه العناصر كلها مجتمعة ? أم إنها هي وشيء آخر وراءها غير محدود ? !

ذلك سر مودع في كل نص قرآني ، يشعر به كل من يواجه نصوص هذا القرآن ابتداء . . ثم تأتي وراءه الأسرار المدركة بالتدبر والنظر والتفكير في بناء القرآن كله :

في التصور الكامل الصحيح الذي ينشئه في الحس والقلب والعقل . التصور لحقيقة الوجود الإنساني ، وحقيقة الوجود كله ، وللحقيقة الأولى التي تنبع منها كل حقيقة . حقيقة الله سبحانه .

وفي الطريقة التي يتبعها القرآن لبناء هذا التصور الكامل الصحيح في الإدراك البشري . وهو يخاطب الفطرة ، خطابا خاصا ، غير معهود مثله في كلام البشر أجمعين ؛ وهو يقلب القلب من جميع جوانبه ومن جميع مداخله ، ويعالجه علاج الخبير بكل زاوية وكل سر فيه .

وفي الشمول والتوازن والتناسق بين توجيهاته كلها ، والاستواء على أفق واحد فيها كلها . مما لا يعهد اطلاقا ، في أعمال البشر ، التي لا تستقر على حال واحدة ، ولا تستقيم على مستوى واحد ، ولا تحيط هكذا بجميع الجوانب ، ولا تملك التوازن المطلق الذي لا زيادة فيه ولا نقص ، ولا تفريط فيه ولا إفراط ، والتناسق المطلق الذي لا تعارض فيه ولا تصادم سواء في ذلك الأصول والفروع .

فهذه الظواهر المدركة . . وأمثالها . . مع ذلك السر الخافي الذي لا سبيل إلى انكاره . . . مما يسبغ على هذا الكتاب سمة الإعجاز المطلق في جميع العصور . وهي مسألة لا يماري فيها إنسان يحترم حسه ، ويحترم نفسه ، ويحترم الحقيقة التي تطالعه بقوة وعمق ووضوح ، حيثما واجه هذا القرآن بقلب سليم . . ( فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ) . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَلۡيَأۡتُواْ بِحَدِيثٖ مِّثۡلِهِۦٓ إِن كَانُواْ صَٰدِقِينَ} (34)

{ فليأتوا بحديث مثله } مثل القرآن . { إن كانوا صادقين } في زعمهم إذ فيهم كثير ممن عدوا فصحاء فهو رد للأقوال المذكورة بالتحدي ، ويجوز أن يكون رد للتقول فإن سائر الأقسام ظاهر الفساد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلۡيَأۡتُواْ بِحَدِيثٖ مِّثۡلِهِۦٓ إِن كَانُواْ صَٰدِقِينَ} (34)

ثم عجزهم تعالى بقوله : { فليأتوا بحديث مثله } والمماثلة المطلوبة منهم هي في النظم والرصف والإيجاز .

واختلف الناس هل كانت العرب قادرة على الإتيان بمثل القرآن قبل مجيء محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال شداد : يسمون أهل الصرفة كانت قادرة وصرفت ، وقال الجمهور : لم تكن قط قادرة ولا في قدرة البشر أن يأتي بمثله .

لأن البشر لا يفارق النسيان والسهو والجهل والله تعالى محيط علمه بكل شيء . فإذا ترتبت اللفظة في القرآن ، علم بالإحاطة التي يصلح أن تليها ويحسن معها المعنى وذلك متعذر في البشر ، والهاء في { مثله } عائدة على القرآن .

وقرأ الجحدري «بحديثِ مثلِه » بإضافة الحديث إلى مثل . فإنها{[10656]} على هذا عائدة على محمد صلى الله عليه وسلم .


[10656]:أي الهاء في [مثله].