وقوله : { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ } أي : خبره وصدقه { بَعْدَ حِينٍ } أي : عن قريب . قال قتادة : بعد الموت . وقال عكرمة : يعني يوم القيامة ولا منافاة بين القولين ؛ فإن من مات فقد دخل في حكم القيامة .
وقال قتادة في قوله تعالى : { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ } قال الحسن : يا ابن آدم ، عند الموت يأتيك الخبر اليقين .
وقوله : ( وَلَتَعْلَمُنّ نَبأَهُ بَعدَ حِينٍ ) : يقول : ولتعلمنّ أيها المشركون بالله من قُرَيش نبأه ، يعني : نبأ هذا القرآن ، وهو خبره ، يعني حقيقة ما فيه من الوعد والوعيد بعد حين . وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وَلَتَعْلَمُنّ نَبأَهُ ) : قال : صدق هذا الحديث نبأ ما كذّبوا به . وقيل : نبأه حقيقة أمر محمد صلى الله عليه وسلم أنه نبيّ .
ثم اختلفوا في مدة الحِين الذي ذكره الله في هذا الموضع : ما هي ، وما نهايتها ؟ فقال بعضهم : نهايتها الموت . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وَلَتَعْلَمُنّ نَبأَهُ بَعْدَ حِينٍ ) : أي بعد الموت وقال الحسن : يا ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين .
وقال بعضهم : كانت نهايتها إلى يوم بدر . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : ( وَلَتَعْلَمُنّ نَبأَهُ بَعْدَ حِينٍ ) : قال : يوم بدر .
وقال بعضهم : يوم القيامة . وقال بعضهم : نهايتها القيامة . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وَلَتَعْلَمُنّ نَبأَهُ بَعْدَ حِينٍ ) : قال : يوم القيامة يعلمون نبأ ما كذّبوا به بعد حين من الدنيا وهو يوم القيامة . وقرأ : لِكُلّ نَبأٍ مُسْتَقَرٌ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ قال : وهذا أيضا الاَخرة يستقرّ فيها الحقّ ، ويبطُل الباطل .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله أعلم المشركين المكذّبين بهذا القرآن أنهم يعلمون نبأه بعد حين من غير حدّ منه لذلك الحين بحدّ ، وقد علم نبأه من أحيائهم الذين عاشوا إلى ظهور حقيقته ، ووضوح صحته في الدنيا ، ومنهم من علم حقيقة ذلك بهلاكه ببدر ، وقبل ذلك ، ولا حدّ عند العرب للحين ، لا يُجاوَز ولا يقصر عنه . فإذ كان ذلك كذلك فلا قول فيه أصحْ من أن يطلَق كما أطلقه الله من غير حصر ذلك على وقت دون وقت . وبنحو الذين قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا أيوب ، قال : قال عكرمة : سُئِلْت عن رجل حلف أن لا يصنع كذا وكذا إلى حين ، فقلت : إن من الحين حينا لا يُدرك ، ومن الحين حِينٌ يُدرك ، فالحين الذي لا يُدرك قوله : وَلَتَعْلَمُنّ نَبأَهُ بَعْدَ حِينٍ ، والحين الذي يُدرك قوله : تُؤْتِي أُكُلَها كُلّ حِينٍ بإذْن رَبّها وذلك من حين تُصْرَم النخلة إلى حين تُطْلِع ، وذلك ستة أشهر .
وجملة { ولتعلمن نبأهُ بعد حينٍ } عطف على جملة { إن هُوَ إلا ذِكرٌ للعالمين } باعتبار ما يشتمل عليه القصر من جانب الإِثبات ، أي وستعلمون خبر هذا القرآن بعد زمان علماً جزماً فيزول شكُّكُم فيه ، فالكلام إخبار عن المستقبل كما هو مقتضى وجود نون التوكيد .
والنبأ : الخبر ، وأصل الخبر : الصدق ، أي الموافقة للواقع ، فإذا قيل : أتاني نبأُ كذا ، فمعناه الخبر عن حاله في الواقع ، فإضافة النبأ إلى ما يضاف إليه على معنى اللام إذ معنى اللام هو أصل معاني الإِضافة ، قال تعالى : { وهل أتاك نبأ الخصم } [ ص : 21 ] ، أي ستعلمون صدق وصف هذا القرآن أنه الحق ، وهذا كما قال تعالى : { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق } [ فصلت : 53 ] . وفُسر النبأ بمعنى المفعول ، أي ما أَنبأَ به القرآن من إنذاركم بالعذاب ، فهو تهديد . وكلا الاحتمالين واقع فإن من المخاطبين من عجّل له عذاب السيف يوم بدر ، وبقيتهم رأوا ذلك رأي العين منهم مَن علموا دخول الناس في الإِسلام فماتوا بغيظهم ومنهم من شاهدوا فتح مكة وآمنوا ، أو رأوا قبائل العرب تدخل في الدين أفواجاً فعلموا نبأ صدق القرآن وما وعد به بعد حين فازدادوا إيماناً .
وحين كلِّ فريق ما مضى عليه من زمن بين هذا الخطاب وبين تحقق الصدق . والحين : الزمن من ساعة إلى أربعينَ سنة . فختم الكلام بتسجيل التبليغ وأن فائدة ما أبلغهم لهم لا للنبيء صلى الله عليه وسلم وختم بالمواعدة لوقتِ يقينهم بنبيئه ، وهذا مؤذن بانتهاء الكلام ومراعاة حسن الختام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.