{ وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ } بل أبلغها وأنفذها ، ولا تبال بمكرهم ولا يخدعنك عنها ، ولا تتبع أهواءهم .
{ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ } أي اجعل الدعوة إلى ربك منتهى قصدك وغاية عملك ، فكل ما خالف ذلك فارفضه ، من رياء ، أو سمعة ، أو موافقة أغراض أهل الباطل ، فإن ذلك داع إلى الكون معهم ، ومساعدتهم على أمرهم ، ولهذا قال : { وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } لا في شركهم ، ولا في فروعه وشعبه ، التي هي جميع المعاصي .
( ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك ) . . فطريق الكفار دائما أن يصدوا أصحاب الدعوة عن دعوتهم بشتى الطرق والوسائل . وطريق المؤمنين أن يمضوا في طريقهم لا يلويهم عنها المعوقون ، ولا يصدهم عنها أعداؤهم . وبين أيديهم آيات الله ، وهم عليها مؤتمنون .
( وادع إلى ربك ) . . دعوة خالصة واضحة لا لبس فيها ولا غموض . دعوة إلى الله لا لقومية ولا لعصبية ، ولا لأرض ولا لراية . ولا لمصلحة ولا لمغنم ، ولا لتمليق هوى ، ولا لتحقيق شهوة . ومن شاء أن يتبع هذه الدعوة على تجردها فليتبعها ، ومن أراد غيرها معها فليس هذا هو الطريق .
{ وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزلَتْ إِلَيْكَ } أي : لا تتأثر لمخالفتهم لك وصدهم الناس عن طريقك{[22471]} لا تلوي على ذلك ولا تباله ؛ فإن الله مُعْلٍ كلمتك ، ومؤيدٌ دينك ، ومظهر ما أرسلت{[22472]} به على سائر الأديان ؛ ولهذا قال : { وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ } أي : إلى عبادة ربك وحده لا شريك له ، { وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلاَ يَصُدّنّكَ عَنْ آيَاتِ اللّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَىَ رَبّكَ وَلاَ تَكُونَنّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } .
يقول تعالى ذكره : ولا يصرفنّك عن تبليغ آيات الله وحججه بعد أن أنزلها إليك ربك يا محمد هؤلاء المشركون بقولهم : لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسَى وادع إلى ربك وبلغ رسالته إلى من أرسلك إليه بها وَلا تَكُونَنّ مِنَ المُشْرِكِينَ يقول : ولا تتركنّ الدعاء إلى ربك ، وتبليغ المشركين رسالته ، فتكون ممن فعل فِعل المشركين بمعصيته ربه ، وخلافه أمره .
وقوله تعالى : { ولا يصدنك } ، أي بأقوالهم وكذبهم وأذاهم ، ولا تلتفت نحوه وامض لشأنك ، وقرأ يعقوب «ولا يصدنْك » بجزم النون{[9195]} ، وقوله { وادع إلى ربك } ، وجميع الآيات تتضمن المهادنة والموادعة ، وهذا كله منسوخ بآية السيف ، وسبب هذه الآية ما كانت قريش تدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه من تعظيم أوثانهم وعند ذلك ألقى الشيطان في أمنيته أمر الغرانيق .
ويجوز أن يكون النهي في { لا يصدَّنَّك } نهْيَ صِرفَة كما كان الأمر في قوله { فقال لهم الله موتوا } [ البقرة : 243 ] أمرَ تكوين . فالمعنى : أن الله قد ضمن لرسوله صرف المشركين عن أن يصدوه عن آيات الله وذلك إذ حال بينه وبينهم بأن أمره بالهجرة ويسَّرها له وللمسلمين معه .
والتقييد بالبعدية في قوله { بعد إذ أُنْزِلت إليك } لتعليل النهي أياما كان المراد منه ، أي لا يجوز أن يصدّوك عن آيات الله بعد إذ أنزلها إليك فإنه ما أنزلها إليك إلا للأخذ بها ودوام تلاوتها ، فلو فرض أن يصدوك عنها لذهب إنزالها إليك بُطلاً وعبثاً كقوله تعالى { من بعد ما جاءتهم البينات } [ البقرة : 213 ] .
والأمر في قوله { وادع إلى ربّك } مستعمل في الأمر بالدوام على الدعوة إلى الله لا إلى إيجاد الدعوة لأن ذلك حاصل ، أي لا يصرفك إعراض المشركين عن إعادة دعوتهم إعذاراً لهم .
ويجوز أن يكون الدعاء مستعملاً في الأكمل من أنواعه ، أي أنك بعد الخروج من مكة أشد تمكناً في الدعوة إلى الله مما كنت من قبل لأن تشغيب المشركين عليه كان يرنِّق صفاء تفرغه للدعوة .
وجميع هذه النواهي والأوامر داخلة في حَيّز التفريع بالفاء في قوله { فلا تكونَنّ ظهيراً للكافرين } .
أما قوله { ولا تكونن من المشركين } فإن حُملت { مِنْ } فيه على معنى التبعيض كان النهي مؤوّلاً يمثل ما أولوا به النهيين اللذين قبله أنه للتهييج ، أو أن المقصود به المسلمون .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ولا يصدنك} كفار مكة {عن آيات الله} يعني: عن إيمان بالقرآن {بعد إذ أنزلت إليك وادع} الناس {إلى} معرفة {ربك} عز وجل، وهو التوحيد، ثم أوعز إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحذره، فقال سبحانه: {ولا تكونن من المشركين}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: ولا يصرفنّك عن تبليغ آيات الله وحججه بعد أن أنزلها إليك ربك يا محمد هؤلاء المشركون بقولهم:"لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسَى" "وادع إلى ربك": وبلغ رسالته إلى من أرسلك إليه بها، "وَلا تَكُونَنّ مِنَ المُشْرِكِينَ "يقول: ولا تتركنّ الدعاء إلى ربك، وتبليغ المشركين رسالته، فتكون ممن فعل فِعل المشركين بمعصيته ربه، وخلافه أمره.
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
لا يمنعك الكفار عن اتباع سبيل الله، وقال بعضهم معناه: اشدد على الكفار، واغلظ عليهم، ولا تتساهل حتى يطمعوا في صدك عن سبيل الله...
وقوله: (بعد إذ أنزلت إليك) أي: بعد إذ أنزلت إليك الآيات المبينة للسبيل...
وقوله: (وادع إلى ربك) أي: إلى دين ربك. وقوله: (ولا تكونن من المشركين) أي: اثبت على التوحيد.
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :
قال ابن عباس رضي الله عنهما: الخطاب في الظاهر للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به أهل دينه، أي: لا تظاهروا الكفار ولا توافقوهم.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
والنهي عن مظاهرة الكافرين ونحو ذلك من باب التهييج.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{ولا يصدنك}، أي بأقوالهم وكذبهم وأذاهم، ولا تلتفت نحوه وامض لشأنك.
{وادع إلى ربك} أي: إلى دين ربك، وأراد التشدد في دعاء الكفار والمشركين، فلذلك قال: {ولا تكونن من المشركين} لأن من رضي بطريقتهم أو مال إليهم كان منهم.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
{وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزلَتْ إِلَيْكَ} أي: لا تتأثر لمخالفتهم لك وصدهم الناس عن طريقك لا تلوي على ذلك ولا تباله؛ فإن الله مُعْلٍ كلمتك، ومؤيدٌ دينك، ومظهر ما أرسلت به على سائر الأديان.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ولا يصدنك} أي الكفار بمبالغتهم في الإعراض وقولهم {لولا أوتي مثل ما أوتي موسى} ونحوه {عن آيات الله} أي عن الصدع بها وهي من المتصف بصفات الكمال... ولما كان الساكت عن فاعل المنكر شريكاً له، قال مؤكداً تنبيهاً على الاهتمام بدرء المفاسد، وأنه لا بد فيه من بلوغ الغاية: {ولا تكونن من المشركين} أي معدوداً في عدادهم بترك نهيهم عن شركهم وما يتسبب عنه ساعة واحدة.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ} أي اجعل الدعوة إلى ربك منتهى قصدك وغاية عملك، فكل ما خالف ذلك فارفضه، من رياء، أو سمعة، أو موافقة أغراض أهل الباطل، فإن ذلك داع إلى الكون معهم، ومساعدتهم على أمرهم، ولهذا قال: {وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} لا في شركهم، ولا في فروعه وشعبه، التي هي جميع المعاصي.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
طريق الكفار دائما أن يصدوا أصحاب الدعوة عن دعوتهم بشتى الطرق والوسائل. وطريق المؤمنين أن يمضوا في طريقهم لا يلويهم عنها المعوقون، ولا يصدهم عنها أعداؤهم. وبين أيديهم آيات الله، وهم عليها مؤتمنون. (وادع إلى ربك).. دعوة خالصة واضحة لا لبس فيها ولا غموض. دعوة إلى الله لا لقومية ولا لعصبية، ولا لأرض ولا لراية. ولا لمصلحة ولا لمغنم، ولا لتمليق هوى، ولا لتحقيق شهوة. ومن شاء أن يتبع هذه الدعوة على تجردها فليتبعها، ومن أراد غيرها معها فليس هذا هو الطريق.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
ويجوز أن يكون النهي في {لا يصدَّنَّك} نهْيَ صِرفَة كما كان الأمر في قوله {فقال لهم الله موتوا} [البقرة: 243] أمرَ تكوين. فالمعنى: أن الله قد ضمن لرسوله صرف المشركين عن أن يصدوه عن آيات الله وذلك إذ حال بينه وبينهم بأن أمره بالهجرة ويسَّرها له وللمسلمين معه...
والتقييد بالبعدية في قوله {بعد إذ أُنْزِلت إليك} لتعليل النهي أيّاً ما كان المراد منه، أي لا يجوز أن يصدّوك عن آيات الله بعد إذ أنزلها إليك فإنه ما أنزلها إليك إلا للأخذ بها ودوام تلاوتها، فلو فرض أن يصدوك عنها لذهب إنزالها إليك بُطلاً وعبثاً كقوله تعالى {من بعد ما جاءتهم البينات} [البقرة: 213]...
والأمر في قوله {وادع إلى ربّك} مستعمل في الأمر بالدوام على الدعوة إلى الله لا إلى إيجاد الدعوة لأن ذلك حاصل، أي لا يصرفك إعراض المشركين عن إعادة دعوتهم إعذاراً لهم. ويجوز أن يكون الدعاء مستعملاً في الأكمل من أنواعه، أي أنك بعد الخروج من مكة أشد تمكناً في الدعوة إلى الله مما كنت من قبل لأن تشغيب المشركين عليه كان يرنِّق صفاء تفرغه للدعوة.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَلاَ يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْك} لأن الرسول الذي يحمل مهمّة تغيير العالم من خلال مفاهيم الرسالة وتشريعاتها لا يخضع للضغوط الداخلية والخارجية التي تعمل على إضعاف موقفه، وإرباك خطواته، لأن دراسته للساحة بكل قواها المضادة، توحي إليه بصعوبة المهمّة الموكولة إليه، وتفرض عليه الاستعداد الطبيعي لمواجهة ذلك كله، وتحمّل كل النتائج السلبية في سبيل ذلك من أجل النجاح في أداء الرسالة، ولذلك فلا يمكن أن يصدّه أحد عن آيات الله، بعد أن أنزلها الله لتتحرك في عقول الناس ومشاعرهم وحياتهم فكراً وعاطفة ومنهجاً للسلوك. {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ} وحده، واطلب رضاه، واجمع الناس حول عبادته ورسالته {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} في ما يريد الآخرون أن يثيروه في نفسك من الخوف والقلق، ليربطوك بالأمر الواقع الذي يلتقي حوله الناس، في عمليّةٍ إيحائيةٍ خفيّة بأن الانسجام مع الجو العام أقرب إلى الطمأنينة والأمن والاستقرار في ما يحصل عليه من رضى الناس وتأييدهم.