وقوله : " لا تَرَى فِيها عِوَجا وَلا أَمْتا " يقول : لا ترى في الأرض عوجا ولا أمتا .
واختلف أهل التأويل في معنى العوج والأمت ، فقال بعضهم : عنى بالعوج في هذا الموضع : الأودية ، وبالأمت : الروابي والنشوز . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله " لا تَرَى فِيها عِوَجا وَلا أمْتا " يقول : واديا ، ولا أمتا : يقول : رابية .
حدثني محمد بن عبد الله المخرمي ، قال : حدثنا أبو عامر العقدي ، عن عبد الواحد بن صفوان مولى عثمان ، قال : سمعت عكرمة ، قال : سئل ابن عباس ، عن قوله لا تَرَى فِيها عِوَجا وَلا أمْتا قال : هي الأرض البيضاء ، أو قال : الملساء التي ليس فيها لبنة مرتفعة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " لا تَرَى فِيهَا عِوَجا وَلا أمْتا " قال : ارتفاعا ، ولا انخفاضا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " لا تَرَى فِيها عِوَجا وَلا أمْتا " قال : لا تعاديَ ، الأمت : التعادي .
وقال آخرون : بل عنى بالعوج في هذا الموضع : الصدوع ، وبالأمت : الارتفاع من الاَكام وأشباهها . ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، في قوله : " لا تَرَى فِيها عِوَجا " قال : صدعا وَلا أمْتا يقول : ولا أكمة .
وقال آخرون : عنى بالعوج : الميل ، وبالأمت : الأثر . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " لا تَرَى فِيها عِوَجا وَلا أمْتا " يقول : لا ترى فيها ميلاً ، والأمت : الأثر مثل الشراك .
وقال آخرون : الأمت : المحاني والأحداب . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : الأمت : الحدب .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : عنى بالعوج : الميل ، وذلك أن ذلك هو المعروف في كلام العرب .
فإن قال قائل : وهل في الأرض اليوم من عوج ، فيقال : لا ترى فيها يومئذٍ عوجا . قيل : إن معنى ذلك : ليس فيها أودية وموانع تمنع الناظر أو السائر فيها عن الأخذ على الاستقامة ، كما يحتاج اليوم من أخذ في بعض سبلها إلى الأخذ أحيانا يمينا ، وأحيانا شمالاً ، لما فيها من الجبال والأودية والبحار . وأما الأمت فإنه عند العرب : الانثناء والضعف . مسموع منهم : مدّ حبله حتى ما ترك فيه أمتا : أي انثناء وملأ سقاءه حتى ما ترك فيه أمتا ومنه قول الراجز :
*** ما فِي انْجذَابِ سَيْرِهِ مِنْ أمْتِ ***
يعني : من وهن وضعف ، فالواجب إذا كان ذلك معنى الأمت عندهم أن يكون أصوب الأقوال في تأويله : ولا ارتفاع ولا انخفاض ، لأن الانخفاض لم يكن إلاّ عن ارتفاع . فإذا كان ذلك كذلك ، فتأويل الكلام : لا ترى فيها ميلاً عن الاستواء ، ولا ارتفاعا ، ولا انخفاضا ، ولكنها مستوية ملساء ، كما قال جلّ ثناؤه : قاعا صَفْصَفا .
و «العوج » ما يعتري اعتدال الأرض من الأخذ يمنة ويسرة بحسب النشز من جبل وطرق وكدية{[2]} ونحوه ، و «الأمت » ما يعتري الأرض من ارتفاع وانخفاض ، يقال مد حبله حتى ما ترك فيه أمتاً فكأن «الأمت » في الآية العوج في السماء تجاه الهواء ، و «العوج » في الآية مختص بالعرض{[3]} وفي هذا نظر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.