تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَقُلۡ هَل لَّكَ إِلَىٰٓ أَن تَزَكَّىٰ} (18)

{ فَقُلْ } له : { هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى } أي : هل لك في خصلة حميدة ، ومحمدة جميلة ، يتنافس فيها أولو الألباب ، وهي أن تزكي نفسك وتطهرها من دنس الكفر والطغيان ، إلى الإيمان والعمل الصالح ؟

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَقُلۡ هَل لَّكَ إِلَىٰٓ أَن تَزَكَّىٰ} (18)

ثم يعلمه الله كيف يخاطب الطاغية بأحب أسلوب وأشده جاذبية للقلوب ، لعله ينتهي ، ويتقي غضب الله وأخذه : ( فقل : هل لك إلى أن تزكى ? ) . . هل لك إلى أن تتطهر من رجس الطغيان ودنس العصيان ? هل لك إلى طريق الصلاة والبركة

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَقُلۡ هَل لَّكَ إِلَىٰٓ أَن تَزَكَّىٰ} (18)

وقوله : فَقُلْ هَلْ لَكَ إلى أنْ تَزَكّى يقول : فقل له : هل لك إلى أن تتطهّر من دنس الكفر ، وتؤمَنَ بربك ؟ كما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : هَلْ لَكَ إلى أنْ تَزَكّى قال : إلى أن تسلم . قال : والتزكّي في القرآن كله : الإسلام وقرأ قول الله وَذَلَكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكّى قال : من أسلم ، وقرأ : وَما يُدْرِيكَ لَعَلّهُ يَزّكّى قال : يسلم ، وقرأ : وَما عَلَيْكَ ألاّ يَزّكّى أن لا يسلم .

حدثني سعيد بن عبد الله بن عبد الحَكَم ، قال : حدثنا حفص بن عُمَرَ العَدَنِيّ ، عن الحكيم بن أبان ، عن عكرِمة ، قول موسى لفرعون : هَلْ لَكَ إلى أنْ تَزّكّى هل لك إلى أن تقول لا إله إلا الله .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : تَزَكّى فقرأته عامة قرّاء المدينة : «تزّكّى » بتشديد الزاي ، وقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة : إلى أنْ تَزَكّى بتخفيف الزاي . وكان أبو عمرو يقول ، فيما ذُكر عنه : «تَزّكّى » بتشديد الزاي ، بمعنى : تتصدّق بالزكاة ، فتقول : تتزكى ، ثم تدغم وموسى لم يدع فرعون إلى أن يتصدّق وهو كافر ، إنما دعاه إلى الإسلام ، فقال : تزكى : أي تكون زاكيا مؤمنا ، والتخفيف في الزاي هو أفصح القراءتين في العربية .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَقُلۡ هَل لَّكَ إِلَىٰٓ أَن تَزَكَّىٰ} (18)

و { هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك } عرْض وترغيب قال تعالى : { فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى } [ طه : 44 ] .

وقوله : { هل لك } تركيب جرى مجرى المثل فلا يغير عن هذا التركيب لأنه قصد به الإِيجاز يقال : هل لك إلى كذا ؟ وهل لك في كذا ؟ وهو كلام يقصد منه العرض بقول الرجل لضيفه : هل لك أن تنزل ؟ ومنه قول كعب :

ألا بلّغا عني بجيراً رسالة *** فهل لك فيما قُلْت ويْحَكَ هَلْ لَكَا

بضم تاء ( قلتُ ) . وقول بجير أخيه في جوابه عن أبياته

مَن مبلغٌ كعباً فهل لك في التي *** تَلومُ عليها باطلاً وهي أحزم

و { لك } خبر مبتدأ محذوف تقديره : هل لك رغبة في كذا ؟ فحُذف ( رغبة ) واكتفي بدلالة حرف ( في ) عليه ، وقالوا : هل لك إلى كذا ؟ على تقدير : هل لك مَيل ؟ فحذف ( مَيل ) لدلالة ( إلى ) عليه .

قال الطيبي : « قال ابن جني : متى كان فعل من الأفعال في معنى فعل آخر فكثيراً ما يُجرَى أحدهما مُجرى صاحبه فيعوَّل به في الاستعمال إليه ( كذا ) ويحتذى به في تصرفه حذو صاحبه وإن كان طريقُ الاستعمال والعرف ضده مأخذه ، ألا ترى إلى قوله تعالى : { هل لك إلى أن تزكى } وأنت إنما تقول : هل لك في كذا ؟ لكنه لما دخله معنى : آخُذُ بك إلى كذا أو أدعوك إليه ، قال : { هل لك إلى أن تزكى } .

وقولُه تعالى : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } [ البقرة : 187 ] لا يقال : رفثت إلى المرأة ، إنما يقال : رفثتت بها ، ومعها ، لكن لما كان الرفث في معنى الإِفضاء عدّي ب ( إلى ) وهذا من أسَدّ مذاهب العربية ، لأنه موضع يملك فيه المعنى عِنان الكلام فيأخذه إليه » ا ه . قيل : ليس هذا من باب التضمين بل من باب المجاز والقرينة الجارة .

و { تزكى } قرأه نافع وابن كثير وأبو جعفر ويعقوب بتشديد الزاي على اعتبار أن أصله : تتزكى ، بتاءين ، فقلبت التاء المجاورة للزاي زاياً لتقارب مخرجيهما وأدغمت في الزاي . وقرأه الباقون بتخفيف الزاي على أنه حدفت إحدى التاءين اقتصاراً للتخفيف .

وفعل { تزكى } على القراءتين أصله : تتزكى بتاءين مضارع تزكّى مطاوع زكاه ، أي جعله زكياً .

والزكاة : الزيادة ، وتطلق على الزيادة في الخير النفساني قال تعالى : { قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها } [ الشمس : 9 ، 10 ] وهو مجاز شائع ساوى الحقيقة ولذلك لا يحتاج إلى قرينة .

والمعنى : حَثُّهُ على أن يستعد لتخليص نفسه من العقيدة الضالة التي هي خبث مجازي في النفس فيقبَلَ إرشاد من يرشده إلى ما به زيادة الخير فإن فعل المطاوعة يؤذن بفعل فَاعِل يعالج نفسه ويروضها إذ كان لم يهتد أن يزكي نفسه بنفسه . ولذلك أعقبه بعطف { وأهديك إلى ربك فتخشى }