تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (59)

{ الَّذِينَ صَبَرُوا } على عبادة اللّه { وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } في ذلك . فصبرهم على عبادة اللّه ، يقتضي بذل الجهد والطاقة في ذلك ، والمحاربة العظيمة للشيطان ، الذي يدعوهم إلى الإخلال بشيء من ذلك ، وتوكلهم ، يقتضي شدة اعتمادهم على اللّه ، وحسن ظنهم به ، أن يحقق ما عزموا عليه من الأعمال ويكملها ، ونص على التوكل ، وإن كان داخلا في الصبر ، لأنه يحتاج إليه في كل فعل وترك مأمور به ، ولا يتم إلا به .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (59)

46

ومع هذا فإنه لا يدعهم إلى هذا الإيواء وحده ؛ بل يكشف عما أعده لهم هناك . وإنهم ليفارقون وطنا فلهم في الأرض عنه سعة . ويفارقون بيوتا فلهم في الجنة منها عوض . عوض من نوعها وأعظم منها :

( والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار ، خالدين فيها ) .

وهنا يهتف لهم بالعمل والصبر والتوكل على الله :

نعم أجر العاملين ، الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون . .

وهي لمسة التثبيت والتشجيع لهذه القلوب ، في موقف القلقلة والخوف والحاجة إلى التثبيت والتشجيع .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (59)

القول في تأويل قوله تعالى : { كُلّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ثُمّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ * وَالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ لَنُبَوّئَنّهُمْ مّنَ الْجَنّةِ غُرَفَاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىَ رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ } .

يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب نبيه : هاجِرُوا من أرض الشرك من مكة ، إلى أرض الإسلام المدينة ، فإن أرضي واسعة ، فاصبروا على عبادتي ، وأخلِصوا طاعتي ، فإنكم ميتون ، وصائرون إليّ ، لأن كل نفس حية ذائقة الموت ، ثم إلينا بعد الموت تُرَدّون . ثم أخبرهم جلّ ثناؤه عما أعدّ للصابرين منهم على طاعته ، من كرامته عنده ، فقال : والّذين آمنوا ، يعني صدّقوا الله ورسوله ، فيما جاء به من عند الله ، وعَمِلوا الصّالِحاتِ : يقول : وعملوا بما أمرهم الله فأطاعوه فيه ، وانتهوا عما نهاهم عنه لَنُبَوّئَنّهُمْ مِنَ الجَنّةِ غُرَفا يقول : لننزلنهم من الجنة عَلاليّ .

واختلفت القُرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين : لَنُبَوّئَنّهُمْ بالباء وقرأته عامة قرّاء الكوفة بالثاء : «لَنُثْوِيَنّهُمْ » .

والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان في قرّاء الأمصار ، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القُرّاء ، متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، وذلك أن قوله : لَنُبَوّئَنّهُمْ من بوأته منزلاً : أي أنزلته ، وكذلك لنُثْوينهم إنما هو من أثويته مَسْكَنا إذا أنزلته منزلاً ، من الثواء ، وهو المُقام .

وقوله : تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ يقول : تجرى من تحت أشجارها الأنهار . خالِدِينَ فِيها يقول : ماكثين فيها إلى غير نهاية نِعْمَ أجْرُ العامِلِينَ يقول : نعم جزاء العاملين بطاعة الله هذه الغرفُ التي يُثْوِيهُمُوها الله في جَنّاته ، تجري من تحتها الأنهار ، الذين صبروا على أذى المشركين في الدنيا ، وما كانوا يَلْقون منهم ، وعلى العمل بطاعة الله وما يرضيه ، وجهاد أعدائه وَعَلى رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ في أرزاقهم وجهاد أعدائهم ، فلا يَنْكُلون عنهم ثقة منهم بأن الله مُعْلِي كلمته ، ومُوهِن كيد الكافرين ، وأن ما قُسم لهم من الرزق فلن يَفُوتَهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (59)

ثم وصفهم تعالى بالصبر والتوكل وهاتان جماع الخير كله أي الصبر على الطاعات وعن الشهوات .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (59)

وقوله : { الذِينَ صَبَرُوا } خبر مبتدأ محذوف اتباعاً للاستعمال والتقدير : هم الذين صبروا . والمراد : صبرهم على إقامة الدين وتحمل أذى المشركين ، وقد علموا أ ، هم لاقوه فتوكلوا على ربّهم ولم يعبأوا بقطيعة قومهم ولا بحرمانهم من أموالهم ثم فارقوا أوطانهم فراراً بدينهم من الفتن .

ومن اللطائف مقابلة غشيان العذاب للكفار من فوقهم ومن تحت أرجلهم بغشيان النعيم للمؤمن من فوقهم بالغرف ومن تحتهم بالأنهار . وتقديم المجرور على متعلّقة من قوله : { وعلى ربهم يتوكلون } للاهتمام . وتقدم

معنى التوكل عند قوله : { فإِذا عزمت فتوكل على الله } في سورة آل عمران [ 159 ] .