تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَأُلۡقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَٰجِدِينَ} (46)

{ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ } لربهم . { قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ } وانقمع الباطل ، في ذلك المجمع ، وأقر رؤساؤه ، ببطلانه ، ووضح الحق ، وظهر حتى رأى ذلك الناظرون بأبصارهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَأُلۡقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَٰجِدِينَ} (46)

10

ولو كان ما جاء به موسي سحرا ، لبقيت حبالهم وعصيهم بعد أن خيل لهم وللناس أن حية موسى ابتلعتها . ولكنهم ينظرون فلا يجدونها فعلا !

عندئذ لا يملكون أنفسهم من الإذعان للحق الواضح الذي لا يقبل جدلا . وهم أعرف الناس بأنه الحق :

( فألقي السحرة ساجدين . قالوا : آمنا برب العالمين . رب موسى وهارون ) . .

وهم قد كانوا منذ لحظة مأجورين ينتظرون الجزاء من فرعون على مهارتهم ، ولم يكونوا أصحاب عقيدة ولا قضية . ولكن الحق الذي مس قلوبهم قد حولهم تحويلا . لقد كانت هزة رجتهم رجا ، وخضتهم خضا ؛ ووصلت إلى أعماق نفوسهم وقرارة قلوبهم ، فأزالت عنها ركام الضلال ، وجعلتها صافية حيه خاشعة للحق ، عامرة بالإيمان ، في لحظات قصار . فإذا هم يجدون أنفسهم ملقين سجدا ، بغير إرادة منهم ، تتحرك ألسنتهم ، فتنطلق بكلمة الإيمان ، في نصاعة وبيان : ( آمنا برب العالمين . رب موسى وهارون ) .

وإن القلب البشري لعجيب غاية العجب ، فإن لمسة واحدة تصادف مكانها لتبدله تبديلا . وصدق رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " ما من قلب إلا بين أصبعين من أصابع الرحمن . إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه " . وهكذا انقلب السحرة المأجورون ، مؤمنين من خيار المؤمنين . على مرأى ومسمع من الجماهير الحاشدة ومن فرعون وملئه . لا يفكرون فيما يعقب جهرهم بالإيمان في وجه الطاغية من عواقب ونتائج ، ولايعنيهم ماذا يفعل أو ماذا يقول .

ولا بد أن كان لهذا الانقلاب المفاجىء وقع الصاعقة على فرعون وملئه . فالجماهير حاشدة . وقد عبأهم عملاء فرعون وهم يحشدونهم لشهود المباراة . عبأوهم بأكذوبة أن موسى الإسرائيلي ، ساحر يريد أن يخرجهم من أرضهم بسحره ، ويريد أن يجعل الحكم لقومه ؛ وأن السحرة سيغلبونه ويفحمونه . . ثم ها هم أولاء يرون السحرة يلقون ما يلقون باسم فرعون وعزته . ثم يغلبون حتى ليقرون بالغلب ؛ ويعترفون بصدق موسى في رسالته من عند الله ، ويؤمنون برب العالمين الذي أرسله ، ويخلعون عنهم عبادة فرعون ، وهم كانوا منذ لحظة جنوده الذين جاءوا لخدمته ، وانتظروا أجره ، واستفتحوا بعزته !

وإنه لانقلاب يتهدد عرش فرعون ، إذ يتهدد الأسطورة الدينية التي يقوم عليها هذا العرش . أسطورة الألوهية ، أو بنوته للآلهة - كما كان شائعا في بعض العصور - وهؤلاء هم السحرة . والسحر كان حرفة مقدسة لا يزاولها إلا كهنة المعابد في طول البلاد وعرضها . ها هم أولاء يؤمنون برب العالمين ، رب موسى وهارون ، والجماهير تسير وراء الكهنة في معتقداتهم التي يلهونهم بها . فماذا يبقى لعرش فرعون من سند إلا القوة ? والقوة وحدها بدون عقيدة لا تقيم عرشا ولا تحمي حكما .

إن لنا أن نقدر ذعر فرعون لهذه المفاجأة ، وذعر الملأ من حوله ، إذا نحن تصورنا هذه الحقيقة ؛ وهي إيمان السحرة الكهنة هذا الإيمان الصريح الواضح القاهر الذي لا يملكون معه إلا أن يلقوا سجدا معترفين منيبين .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَأُلۡقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَٰجِدِينَ} (46)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَأَلْقَىَ مُوسَىَ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُواْ آمَنّا بِرَبّ الْعَالَمِينَ * رَبّ مُوسَىَ وَهَارُونَ } .

يقول تعالى ذكره : فَأْلَقى مُوسَى عَصَاهُ حين ألقت السحرة حبالهم وعصيهم ، فَإذَا هيَ تَلْقَفُ مَا يأْفِكُونَ يقول : فإذا عصا موسى تزدرد ما يأتون به من الفِرْية والسحر الذي لا حقيقة له ، وإنما هو مخاييل وخدعة فَأُلْقِيَ السّحَرَة ساجدِينَ يقول : فلما تبين السحرة أن الذي جاءهم به موسى حقّ لا سحر ، وأنه مما لا يقدر عليه غير الله الذي فطر السموات والأرض من غير أصل ، خرّوا لوجوههم سجدا لله ، مذعنين له بالطاعة ، مقرّين لموسى بالذي أتاهم به من عند الله أنه هو الحقّ ، وأن ما كانوا يعملونه من السحر باطل ، قائلين : آمَنّا بِرَبّ الْعَالَمِينَ الذي دعانا موسى إلى عبادته دون فرعون وملئه رَبّ مُوسَى وَهَارُونَ . قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أنْ آذَنَ لَكُمْ يقول جلّ ثناؤه : قال فرعون للذين كانوا سحرته فآمنوا : آمنتم لموسى بأن ما جاء به حقّ قبل أن آذن لكم في الإيمان به إنّهُ لَكَبِيرُكُمُ الّذِي عَلّمَكُمُ السّحْرَ يقول : إن موسى لرئيسكم في السحر ، وهو الذي علّمكموه ، ولذلك آمنتم به ، فَلَسَوْفَ تَعْلمَونُ عند عقابي إياكم وبالَ ما فعلتم ، وخطأ ما صنعتم من الإيمان به .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَأُلۡقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَٰجِدِينَ} (46)

ثم إن السحرة لما رأوا العصا ، خالية من صناعة السحر ورأوا فيها بعد من أمر الله ما أيقنوا أنه ليس في قوة بشر أذعنوا ورأوا أن الغنيمة هي الإيمان والتمسك بأمر الله عز وجل فسجدوا كلهم لله عز وجل مقرين بوحدانيته وقدرته .

ووصلوا إيمانهم بسبب موسى وهارون ، وصرحوا بأن ذلك على أيديهما لأن قولهم «رب العالمين » مغن فلم يكرروا البيان في قولهم { رب موسى وهارون } إلا لما ذكرناه فلما رأى فرعون وملؤه إيمان السحرة وقامت الحجة بإيمان أهل علمهم ومظنة نصرتهم .